الخميس، 8 ديسمبر 2016

آثار المعاصي

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما يعلمه إلا الله فمنها:
1.حرمان العلم لأن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور ولذلك نصح مالك الشافعي فقال: إني أرى الله قد ألقى في قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية (شكوت إلى وكيع سوء حفظي ...فأرشدني إلى ترك المعاصي )
2.حرمان الرزق وفي المسند مرفوعا" إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " ، فالتقوى مجلبة للرزق وضدها مجلبة للفقر
أسباب الرزق ستة محققة.....
3.وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله سبحانه وتعالى لا توازيها ولا تقارنها لذة أصلا ، وشكا رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له:
إذا كنت قد أوحشتك الذنوب....فدعها إذا شئت واستأنس
وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب.
4.الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولا سيما أهل الخير منهم ، وكلما قويت تلك الوحشة بَعُدَ منهم ومن مجالستهم ، وحرم بركة الانتفاع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن.
وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه ، وعن سالم بن أبي الجعد ، عن أبي الدرداء قال: ليحذر امرؤ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ثم قال: أتدري مم هذا؟ قلت: لا قال: إن العبد يخلو بمعاصي الله فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.
وقال سليمان التميمي: إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته.
وقال ذو النون: من خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية.
وقال بعض السلف:إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي أو امرأتي.
5.تعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا ، فمن عطل التقوى جعل له من أمره عسرا.
6.ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب ، وسعة في الرزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواد في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ، ونقصا في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق.
7.إن المعاصي توهن القلب والبدن ، أما وهنها للقلب فأمره ظاهر ، بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية ، وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه ، وكلما قوى قلبه قوى بدنه.
وتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم.
8.حرمان الطاعة ، فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله وهكذا....فيتقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة ، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها .
9.أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولابد ، فإن البر كما يزيد في العمر فالفجور يقصر العمر...
فالحياة في الحقيقة حياة القلب ، وعمر الإنسان مدة حياته فليس عمره إلا أوقات حياته بالله فتلك ساعات عمره ، فالبر والتقوى والطاعة تزيد في هذه الأوقات التي هي حقيقة عمره ولا عمر له سواها.
وبالجملة فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم يقول{ يا ليتني قدمت لحياتي...الآية}.
وسر المسألة أن عمر الإنسان مدة حياته ولا حياة له إلا بإقباله على ربه والتنعم بحبه وذكره وإيثار مرضاته.
10.أن المعاصي تزرع أمثالها قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السّيئة بعدها ، وإن من ثواب الحسنة الحسَنة بعدها.
فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها اعملني أيضاً.
وكذلك المعصية حتى تصير الطاعات والمعاصي هيآت راسخة وصفات لازمة ، ولا يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه وتعالى برحمته عليه الملائكة تؤزه إليها أزا وتحرضه عليها ، وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها.
ولا يزال يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله إليه الشياطين فتؤزه إليها أزا.
فالأول: قوى جند الطاعة بالمدد فكانوا من أكبر أعوانه
والثاني: قوى جند المعصية بالمدد فكانوا أعوانا عليه.
11.وهو من أخوفها على العبد أنها تضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية فلو مات نصفه لما تاب إلى الله سبحانه وتعالى.))
12.أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه بل يفتخر أحدهم بالمعصية.
وهذا الضرب من الناس لا يعافون وتسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم أبوابها في الغالب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من الإجهار أن يستر الله على العبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول : يا فلان عملت يوم كذا وكذا وكذا وكذا فهتك نفسه وقد بات يستر ربه.
13.أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل ، فاللوطية: ميراث عن قوم لوط.
وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب
والعلو في الأرض بالفساد ميراث عن قوم فرعون
والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود
فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم وهم أعداء الله سبحانه وتعالى.
وفي المسند مرفوعا: " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم.
14.أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه
قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم ، وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد كما الله تعالى {ومن يهن الله فما له من مكرم....الآية}.
15.أن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله .
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار.
 16.أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم.
قال أبو هريرة: إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم.
وقال مجاهد: إن البهائم تعلن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة ، وأمسك المطر وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم .
وقال عكرمة: دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم ، فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يلعنه من لا ذنب له.
17.أن المعصية  تورث الذل ولا بد فإن العز كل العز في طاعة الله سبحانه وتعالى قال الله تعالى { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا...الآية} ، أي فليطلبها بطاعة الله عز وجل فإنه لا يجدها إلا في طاعة الله.
وكان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك ، وقال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
وقال عبد الله بن المبارك
رأيت الذنوب تميت القلوب....وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب.....وخير لنفسك عصيانها
وهل أفسد الدين إلا الملوك.....وأحبار سوء ورهبانها.
18.أن المعاصي تفسد العقل ، فإن العقل نورا ، والمعصية تطفئ نور العقل ولا بد وقال بعض السلف: ما عصى الله أحد يغيب عقله  وهذا ظاهر فإنه لو حضر عقله لحجزه عن المعصية ، وهو في قبضة الرب تعالى وهو مطلع عليه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه ، وواعظ القرآن ينهاه ، وواعظ الموت ينهاه ، وواعظ النار ينهاه.
19.أن الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين ، كما قال بعض السلف في قوله تعالى { كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} قال هو الذنب بعد الذنب.
وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب.
وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية ، فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير رانا ، ثم يغلب حتى يصير طبعا وقُفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انعكس فصار أعلاه أسفله فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد.
20.أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لعن على معاصي والتي غيرها أكبر منها : لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده ، ولعن المحلل والمحلل له ، ولعن السارق ، ولعن شارب الخمر وساقيها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها ، وآكل ثمنها وحاملها والمحمولة إليه ، ولعن من لعن والديه ،ولعن المخنثين من الرجال ، والمترجلات من النساء ، ولعن من أحدث حدثا أو آوى محدثا ، ولعن من عمل عملَ قوم لوط ، ولعن من ضار مسلما أو مكر به ، ولعن من سب الصحابة ، ولعن من أفسد في الأرض ، وقطع رحمه وآذاه وآذى رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولعن من كتم ما أنزل الله سبحانه من البينات والهدى.
21.ومن آثار الذنوب والمعاصي: أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن قال تعالى {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}
قال بعض السلف: كلما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة ومن تأثير معاصي الله في الأرض ما يجعل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها.
22.ومن عقوباتها : ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب وهو أصل كل خير ، وذهابه ذهاب الخير أجمعه.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الحياء خير كله "
ومن استحى من الله عند معصيته استحى الله من عقوبته يوم يلقاه ، ومن لم يستح من معصيته لم يستح الله من عقوبته.

فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس ، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق ، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يعظمه الناس.    

وصلى الله على نبيه الكريم