السبت، 30 مارس 2019

التوبــــــــــــــــــة


{ بسم الله الرحمن الرحيم }
                                              التوبة إلى الله تعالى
 إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد الله أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين
وبعد :فإنه لما كان العبد معرضا للقصور والتقصير والخطيئة والعصيان شرع له المليك الديان الرحيم الرحمان تلافي ذلك التقصير بالتوبة والاستغفار  لتمحى عنه تلك الأوزار ويجتبيه واسع المغفرة فيطهره من تلك الآثام كرما منه سبحانه وإحسان أردت أن أذكر بعض ما يتعلق بها تبصرة  وذكرى للمؤمنين .
وسأتناوله حسب النقاط التالية :
1- تعريف التوبة وأهميتها وحقيقتها 2- حكم التوبة  3- فرائض التوبة وآدابها 4- مراتب التوبة  5- البواعث على التوبة     
* أولا تعريف التوبة وأهميتها وحقيقتها *
قال الفيروز آبادي (تاب إلى الله توبا وتوبة ومتابا ...رجع عن المعصية وهو تائب وتواب ، وتاب الله عليه وفقه للتوبة ،أو رجع به من التشديد إلى التخفيف ،أو رجع عليه بفضله وقبوله وهو تواب على عباده )  القاموس المحيط  1- 41
وقال الجرجاني (التوبة :هو الرجوع إلى الله بحل عقدة الإصرار عن القلب ،ثم القيام بكل حقوق الرب ) التعريفات ص- 70
وعن أهميتها يقول الغزالي رحمه الله تعالى :(أما بعد فإن التوبة عن الذنوب بالرجوع إلى ستار العيوب وعلام الغيوب مبدأ طريق السالكين ،ورأس مال الفائزين ،وأول أقدام المريدين ،ومفتاح استقامة المائلين ،ومطلع الاصطفاء والاجتباء للمقربين ،ولأبينا آدم عليه الصلاة والسلام وعلى سائر الأنبياء أجمعين ،وما أجدر الأولاد بالاقتداء بالآباء والأجداد ...ولقد قرع آدم سن الندم  وتندم على ما سبق منه وتقدم ،فمن اتخذه قدوة في الذنب دون التوبة  فقد زلت به القدم ...وكل عبد مصحح نسبه إما إلى الملك أو إلى آدم أو إلى شيطان .
فالتائب قد أقام البرهان على صحة نسبه إلى آدم بملازمة حد الإنسان المتلافي للشر بالرجوع إلى الخير .
والمصر على الطغيان  مسل على نفسه بنسب الشيطان .الإحياء 4- 144
وأما حقيقة التوبة فهي عبارة عن معنى ينتظم من علم ،وحال ،وفعل
والمراد بهذا العلم الإيمان واليقين ،فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة .واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق فيثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب نار الندم فيتألم القلب حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوبا عن محبوبه ...فتشتعل نيران الحب في قلبه وتنبعث تلك النيران بإرادته للانتهاض للتدارك .
فالعلم والندم  والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مرتبة في الحصول فيطلق اسم التوبة على مجموعها .
وقد يطق اسم التوبة على الندم لحديث (الندم توبة ) رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصحح إسناده
والتوبة لفظ  يشترك فيها العبد والرب سبحانه وتعالى ،فإذا نسب إلى العبد فالمعنى أنه رجع إلى ربه عن المعصية ،وإذا وصف بها الرب تبارك وتعالى فالمعنى أنه رجع إلى عبده برحمته وفضله .وأما عن اتصاف الله بأنه تواب  بصيغة المبالغة فالمراد بذلك  المبالغة في الفعل وكثرة قبوله ،أو أنه لكثرة من يتوب إليه تعالى ،أو أنه الملهم  لعباده  أن يتوبوا . انظر تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور  1- 59
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى  (وتوبة العبد إلى الله محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها. وتوبة منه بعدها ، فتوبته بين توبتين من ربه سابقة ولاحقة .فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما فتاب العبد ،فتاب الله عليه ثانيا قبولا وإثابة
قال الله سبحانه وتعالى (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم  وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ) فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم ،وأنها هي التي جعلتهم تائبين .فكانت سببا مقتضيا لتوبتهم .فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم .والحكم ينتفي لانتفاء علته .
 المدارج 1- 312  -313  
وقال أيضا (ومنزل التوبة أول المنازل وأوسطها وآخرها فلا يفارقه العبد السالك ولا يزال فيه إلى الممات .وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به واستصحبه ونزل به .فالتوبة هي بداية العبد ونهايته .وحاجته إليها في النهاية ضرورية ،كما أن حاجته إليها في البداية كذلك وقد قال الله تعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) وهذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم .ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه وأتى بأداة (لعل )الشعرة بالترجي إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح فلا يرجو الفلاح إلا التائبون جعلنا الله منهم .قال تعالى (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) قسم العباد إلى تائب وظالم ،وما ثم قسم ثالث البتة ،وأوقع اسم الظالم على من لم يتب .ولاأظلم منه لجهله بربه وبحقه ،وبعيب نفسه وآفات أعماله .المدارج 1- 178

وقال أيضا (والتوبة حقيقة دين الإسلام ،والدين كله داخل في مسمى التوبة وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله ،فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .وإنما يحب الله من فعل ما أمر به وترك مانهى عنه .فإذا التوبة هي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه ظاهرا وباطنا .ويدخل في مسماها الإسلام والإيمان والإحسان ،وتتناول جميع المقامات ،ولهذا كانت غاية كل مؤمن وبداية الأمر وخاتمته ...وهي الغاية التي وجد لأجلها الخلق ،والأمر والتوحيد جزء منها ،بل هو جزؤها الأعظم الذي عليه بناؤها .وأكثر الناس لايعرفون قدر التوبة ،ولا حقيقتها فضلا عن القيام بها علما وعملا وحالا ..فجميع ما يتكلم فيه الناس من المقامات والأحوال هو تفاصيل التوبة وآثارها )  المدارج  1-306- 307   
خطورة المعاصي
فالمعاصي للإيمان كالمأكولات المضرة للأبدان ،فلا تزال تجتمع في الباطن حتى تغير مزاج الأخلاط  وهو لايشعر بها إلى أن يفسد المزاج فيمرض دفعة ثم يموت دفعة ،فكذلك العاصي يخاف عليه سوء الخاتمة .
انظر الإحياء 4- 146 – 163
* ثانيا: حكم التوبة *
قال النووي رحمه الله تعالى (وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة
قال الله تعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) وقال تعالى (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه )
وقال تعالى (يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه  قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) "روه البخاري"
وعن الأغر يسار المزني رضي الله عنه  قال قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة" "رواه مسلم"
وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" "رواه مسلم".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: " إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" " "رواه الترمذي وقال حديث حسن". (رياض الصالحين) ص(31-33)
وقال أيضا (التوبة من جميع المعاصي واجبة على الفور لايجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة  .
والتوبة من مهمات الإسلام وقواعده المتأكدة ووجوبها عند أهل السنة بالشرع ) شرح مسلم للنووي  17- 59 
فيستفاد من هذا أن التوبة واجبة على الفور من كل ذنب ، وأنها مقبولة ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو يصل العبد إلى حال الغرغرة.
- الباعث على التوبة -
قال القرطبي – رحمه الله -: ( قال علماؤنا الباعث على التوبة وحل الإصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار ، وما ذكره سبحانه من تفاصيل الجنة ووعد به المطيعين ، وما وصفه من عذاب النار وتهدد به العاصين ودام على ذلك حتى قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغباً ورهباً ، والرغبة والرهبة ثمرة الخوف والرجاء يخاف من العقاب ويرجوا الثواب والله الموفق للصواب.
 وقد قيل: إن الباعث على ذلك تنبيه إلهي ينبه به من أراد سعادته لقبح الذنوب وضررها إذ هي سموم مهلكة ، قلت – أي القرطبي- وهذا خلاف في اللفظ لا في المعنى فإن الإنسان لا يتفكر في وعد الله وعيده إلا بتنبهه فإذا نظر العبد بتوفيق الله تعالى إلى نفسه لوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيئات اقترفها.
وانبعث منه الندم على ما فرط وترك مثل ما سبق مخافة عقوبة الله تعالى صدق عليه أنه تائب فإن لم يكن كذلك كان مصراً على المعصية وملازماً لأسباب الهلكة ، قال سهل بن عبد الله: ( علامة التائب أن يشغله الذنب عن الطعام والشراب كالثلاثة الذين خلفوا ) "تفسير القرطبي (211-212)
ثالثاً: فرائض التوبة وآدابها
قال ابن الجزي – رحمه الله تعالى -: ( فرائض التوبة ثلاثة)
أحدها: " الندم على الذنب من حيث عصي به ذو الجلال لا من حيث أضر ببدن أو مال".
ثانياً  : " الإقلاع عن الذنب في أول أوقات الإمكان من غير تأخير ولا توان".
ثالثاً  : " العزم أن لا يعود إليها أبداً ومهما قضي عليه بالعود أحدث عزماً مجدداً".
وآدابــــــــــها (ثلاثاً)
1-" الاعتراف بالذنب مقرون بالانكسار"
2-"الإكثار من التضرع والاستغفار"
3-"الإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من السيئات".
ربعاً: مراتب التوبة
ومراتبها سبعٌ وهي:-
1-             فتوبة الكفار من الكفر.
2-             وتوبة المخلطين من الذنوب الكبائر.
3-             وتوبة العدول من الصغائر.
4-             وتوبة العابدين من الفترات.
5-             وتوبة السالكين من علل القلوب والآفات.
6-             وتوبة أهل الورع من الشبهات.
7-             وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات.
والبواعث على التوبة
ومراتبها سبع وهي:-
1-             خوف العقاب.
2-             رجاء الثواب.
3-             الخجل من الحساب.
4-             محبة الحبيب.
5-             مراقبة الرقيب القريب.
6-             تعظيم المقام.
7-             شكر الأنعام. "التسهيل (3/65)
وقال سفيان بن عيينة: ( التوبة نعمة من الله تعالى ، أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم) "تفسير القرطبي 1/401"
قال القرطبي: ( فما أنعم الله على هذه الأمة نعمة بعد الإسلام هي أفضل من التوبة) " نفســـه (1/402)
-       الأمر بالتوبة النصوح –
والتوبة النصوح مهمة ولا سيما في حق من عزم على أداء فريضة الحج  تلك الفريضة العظيمة التي إن اتصفت بالبر والتوبة الصادقة رجع صاحبها من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً }، قال عنها عمر ابن الخطاب وأبي بن كعب رضي الله عنهما هي (أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه، كما لا يعود اللبن إلى الضرع).
وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى -: ( هي أن يكون العبد نادماً على ما مضى مجمعاً على أن لا يعود فيه).
وقال الكلبي: (  هي أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن).
وقال ابن القيم: ( النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء:-
1- تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها حيث لا تدع ذنباً إلا تناولته).
2- إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادراً بها.
3- تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله تعالى وخشيته ، والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده ، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته ولحفظ حاله أو لحفظ قوته وماله ، أو استدعاء حد الناس ، أو الهرب من ذمهم ، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء أو لقضاء نهمته من الدنيا ، أو لإفلاسه وعجزه ، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل. (المدارج 1/309-310).
- بم تصيـــــر الصغيرة كبيرة -
تصير الصغيرة كبيرة في الأمور التالية:-
1-             بالإصرار عليها. ولذا يقال لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.
2-             باستصغارها.
3-             بالفرح بها.
4-             بالتحدث بها افتخاراً.
5-             بالمجاهرة بها بلا حياء.
6-             بصدورها من مقتدى به.(انظر حاشية ابن حمدون ص(611).
** وحقوق العباد التي يتاب منها خمســـــــة:- **
1- مالية كالغصب والسرقة.
2- وعرضية كالغيبة.
3- دينية كتكفيره وتفسيقه.
4- بدنية كالقتل والجرح.
5- حرمية كالخيانة في الأهل والولد.
**شرحــــــــــــــــــــها**
- والعرضية فيها خلاف ، والمشهور وجوب الاستحلال ويعلم المغتاب بما اغتابه به ليحلله منه، فإن لم يعينه له، وأبرأه منه إجمالاً ففي كفاية ذلك قولان والأصح كفايته ، ويمكن المقذوف أو وارثه من استيفاء حد القذف منه.
- والدينية كأن يكفره أو يفسقه أو يبدعه
قال ابن رشد: ( يكذب نفسه عند من قال ذلك فيه ويستحله.
- والبدنية اختلف في قتل النفس منها هل يجب تمكين نفسه من القود وعليه الغزالي في الإحياء ، أو لا يجب وهو ظاهر الأحاديث ومال إليه ابن رشد قال: وينبغي أن يعتق ويحمل نفسه على الجهاد ونحوه ليكون كفارة له، ويجب التمكين  من القصاص في الضرب والجرح غير المخوفين.
- والحرمية قال في النصيحة: ( يتعين فيها عدم الاستحلال ونحوه في الإحياء ، لأن الاستحلال منها زيادة في الإذاية، والذمي كالمسلم في ماله وعرضه ونفسه.(انظر حاشية ابن حمدون ص(614-615).  
((والله أسأل أن يرزقنا وإخواننا المسلمين توبة صادقة نصوحاً ظاهرة وباطنة وأن يتقبلها منا إنه سميع قريب مجيب رحيم ودود))
كتبه/ "محمد فاضل الطاهر"
22-11-1427هــ

الإخلاص


 بسم الله الرحمن الرحيم
الإخلاص
إن الحمد لله نحمده ونستعينه  ونعوذ بالله من شرور أنفسنا  وسيئات أعمالنا ،من يهده  الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد ألا إله  إلا الله وحده لا شريك  له وأشهد  أن محمدا عبده  ورسوله .
وبعد فإن موضوعنا  يتكلم  عن الإخلاص وسأتكلم عليه حسب النقاط  التالية :
1-تعريفه  2-حقيقته  3-فضله  4-علاماته   5-ضرورته  6-ثمراته    7-خاتمة
أولا / تعريف الإخلاص
الإخلاص لغة  من خلص خلوصا صار خالصا ...وأخلص لله ترك الرياء  . وقال في مختار الصحاح :خلص الشيء صار خالصا وبابه دخل . والإخلاص أيضا في الطاعة  ترك الرياء  وقد أخلص لله الدين .
واصطلاحا : إرادة  وجه الله تعالى بالعمل ، وتصفيته من كل شوب ذاتي أو دنيوي  .
قال الإمام الغزالي رحمه الله : اعلم أن كل شيء يتصور أن يشوبه  غيره فإذا صفا عن شوبه وخلص  عنه  سمي خالصا ، ويسمى الفعل المصفى المخلص  إخلاصا  قال تعالى  ( من بين فرث  ودم  لبنا خالصا  سائغا للشاربين )
فالإخلاص يضاد  الإشراك  فمن ليس  مخلصا فهو مشرك .
ثانيا/ حقيقة  الإخلاص :
اختلفت عبارات أهل التربية في تحديد ماهية  الإخلاص فكل منهم نظر إلى جانب ، أولفت إلى معنى من  معانيه .
فقال بعضهم  الإخلاص إفراد الحق  سبحانه في الطاعة  بالقصد ، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله سبحانه دون أي شيء آخر من تصنع  لمخلوق ، أو اكتساب محمدة  من الناس ، أو محبة مدح  من  الخلق ،أو معنى من المعاني  سوى التقرب   إلى الله تعالى .
ويقال :الإخلاص تصفية الفعل من ملاحظة المخلوقين ،وأن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن
وقال ذو النون  المصري :ثلاث من علامات الإخلاص : استواء المدح والذم من العامة ،ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال ،ونسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة .
وتتكون حقيقة الإخلاص من هذه العناصر :
1-أن يهتم المخلص بنظر الخالق لا بنظر المخلوقين ، قال الفضيل بن عياض :العمل من أجل الناس شرك ،وترك العمل من أجل الناس رياء ،والإخلاص أن يعافيك الله منهما
2-أن يستوي ظاهر المخلص وباطنه ، فلا يكون ظاهره  عسلا وباطنه  علقما
3-أن يستوي عنده مدح  الناس  وذمهم
4-أن لا ينظر إلى إخلاصه  فيعجب بنفسه  فيهلكه عجبه
5-الخوف من تسرب  الرياء والهوى إلى النفس  وهو لا يشعر ، قال سهل :لا يعرف  الرياء إلا مخلص .
ثالثا / فضل النية والإخلاص
لقد أمر الله تبارك  وتعالى في كتابه بالإخلاص  وحث عليه في أكثر من سورة  وخصوصا في القرآن  المكي ،لأنه يتعلق بتجريد التوحيد  وتصحيح العقيدة  واستقامة الوجهة  قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص ) وقال ( قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه )
وقال (قل إن صلاتي ونسكي  ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ) وقال (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء )
إن القرآن يذكر الإخلاص بصيغ مختلفة مثل إرادة الآخرة ،وإرادة  وجه الله تعالى  قال تعالى (وما لأحد عنده من نعمة تجزى  إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ) نزلت  في أبي بكر الصديق رضي الله عنه
وكم أشاد  القرآن الكريم  بالمخلصين الذين  لم يريدوا بأعمالهم إلا وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته لا يركضون وراء رضى  الناس  وثنائهم قال تعالى عنهم  (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم  جزاء ولا شكورا ) وقال ( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات  الله وتثبيتا من أنفسهم  كمثل جنة  بربوة  أصابها وابل فئاتت أكلها ضعفين  فإن لم  يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير ) وقال ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم  بالغداة  والعشي يريدون  وجه )  وقال ( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم  ) وقال  ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها  ولكن  يناله التقوى  منكم )
وقد بينت السنة أهمية النية  والإخلاص  في كل الأعمال  وأن المعتبر منها شرعا هو ما كان خالصا لوجه  الله تعالى ، وأن غير الخالص لا يعبأ به وإنما هو  تعب وحسرة  على صاحبه يوم القيامة .
ومن ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه  كما في الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم  قال ( إنما الأعمال بالنيات  وإنما لكل امريء  ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله  ورسوله ،ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها  فهجرته إلى ما هاجر إليه )
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلي الله عليه وسلم في غزاة فقال ( إن بالمدينة لرجالا ما سرتم  مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم  المرض ) وفي رواية (إلا شركوكم في الأجر ) رواه مسلم
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال سئل رسول  الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ،ويقاتل حمية
ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) متفق عليه
وعن أبي كبشة الأنماري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر ،رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله فينفقه في حقه ،ورجل آتاه الله علما و لم يؤته مالا فهو يقول لو كان لي مثل  هذا عملت فيه مثل الذي يعمل .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء ،ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط  في ماله ينفقه في غير حقه ،ورجل لم  يؤته الله علما ولا مالا فهو يقول  لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الوزر سواء ) رواه الترمذي وصححه وأحمد وابن ماجه .
قال الخطابي كان المتقدمون من مشائخنا  يستحبون تقديم  حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ  ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها ،وبلغنا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :إنما يحفظ  الرجل على قدر نيته .
وقال الحارث المحاسبي :الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج  كل قدر له في قلوب الخلق من أجل إصلاح قلبه .
تكثير النيات في العمل الواحد
فمن النيات التي يمكن لداخل المسجد أن ينويها ليضاعف له العمل بكل نية :
1-أن يعتقد أنه بيت الله وأن داخله زائر الله
2-أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة فيكون في صلاة
3-الترهب بكف السمع والبصر والأعضاء عن الحركات والترددات
4-عكوف الهم على الله ولزوم السر للفكر في الآخرة ودفع الشواغل الصارفة عنه بالاعتزال إلى المسجد
5-التجرد لذكر الله أو لاستماع  ذكره  وللتذكر به
6-أن يقصد إفادة العلم  بأمر بمعروف  ونهي عن منكر إذ المسجد لا يخلو عمن يسيء في صلاته ،أو يتعاطى  مالا يحل له فيأمره  بالمعروف  ويرشده   إلى الدين  فيكون شريكا معه في خيره الذي يعلم منه فتتضاعف خيراته .
7-أن يستفيد أخا في الله فإن ذلك غنيمة  وذخيرة  للدار الآخرة ,والمسجد معشش أهل الدين المحبين لله وفي الله
8-أن يترك الذنوب حياء من الله تعالى ،وحياء من أن يتعاطى في بيت الله ما يقتضي هتك الحرمة .
فهذا طريق تكثير النيات ،وقس به سائر الطاعات .إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة ،وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير وتشمره له فبهذا تزكو الأعمال وتتضاعف الحسنات .
وورد في الأثر :نية المؤمن خير من عمله . وذلك لأن النية لايدخلها الرياء لأنها لا يطلع عليها إلا الله ،ولأن المرء يمكن أن ينوي أمورا كثيرة في عمل واحد .
رابعا/  علامات الإخلاص :
إن للإخلاص علامات كثيرة  تظهر في حياة  المخلص، وسلوكه ونظرته إلى نفسه وإلى الناس ، ومن تلك العلامات :
1-الخوف من الشهرة
وذلك بأن يخاف من الشهرة  وانتشار الصيت على نفسه ودينه ،وخصوصا إذا كان من أصحاب  المواهب ، وأن يوقن أن القبول عند الله بالسرائر لا بالمظاهر ،فقد كان السلف يخافون على قلوبهم  ويعلمون أنها محل نظر الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم  وأعمالكم  ) رواه مسلم
قال القرطبي : وهذا حديث عظيم يترتب عليه ألا يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة ،فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفا مذموما لا تصح معه تلك الأعمال ،ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر الله بسببه .فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية .
ويترتب عليها عدم الغلو  في تعظيم من رأينا عليه أفعالا صالحة ،وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالا سيئة ،بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة ،لا تلك الذات السيئة .فتدبر هذا فإنه نظر دقيق . تفسير القرطبي 16 /326 -327
وقال إبراهيم بن أدهم :ما صدق الله من أحب الشهرة  .
قال بشر الحافي :ما أعرف رجلا أحب  أن يعرف إلا ذهب دينه وافتضح .
وقال أيوب السختياني :ما صدق الله عبد إلا سره  ألا يشعر بمكانه .
وهذه الآثار ينبغي أن لا يفهم  منها الدعوة إلى العزلة  والانطواء لأن الذين رويت عنهم  كانوا أئمة  مصلحين ودعاة  مخلصين ،لكن الذي يفهم  من مجموعها هو اليقظة لشهوات النفس الخفية ،والحذر من المنافذ التي يتسلل  منها الشيطان إلى قلب  الإنسان  إذا سلطت عليه الأضواء ،وأحاطت به  الأتباع  والأشياع وأشير إليه بالبنان .
والشهرة ليست مذمومة  في ذاتها  فليس هناك أشهر من الأنبياء  ،والخلفاء  والأئمة ،ولكن المذموم هو طلب الشهرة  والزعامة  والجاه  ،والحرص عليها ،أما وجودها من غير تكلف  ولا حرص فلا شيء فيه .
ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قيل له  :أرأيت الرجل يعمل العمل  من الخير  ويحمده  الناس عليه ؟ فقال (تلك عاجل بشرى المؤمن ) رواه مسلم
2-اتهام النفس
إن المخلص  دائما يتهم نفسه  بالتفريط  في جنب الله ،والتقصير في أداء  الواجبات ،فلا يغتر بالعمل ولا يعجب بنفسه .
وقد بكى بعض الصالحين في مرضه بكاء شديدا  فقال بعض عواده  كيف تبكي ؟ وأنت قد صمت  وقمت  وجاهدت  وتصدقت  وحججت  واعتمرت  وعلمت  وذكرت . فقال وما يدريني أن شيئا منها في ميزاني  وأنها مقبولة عند ربي والله تعالى يقول (إنما يتقبل الله من المتقين )
وقد ترجم البخاري في كتاب الإيمان فقال :باب خوف المؤمن  من أن يحبط  عمله وهو لا يشعر .
ولذلك كان السلف يخافون من النفاق  ويتهمون أنفسهم .
ولما سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى (والذين يؤتون ما آتوا  وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم  راجعون  ...) أهم الذين يسرقون  ويزنون  ويشربون الخمر وهم يخافون الله عز وجل ؟
فقال لا يا ابنت الصديق ولكنهم  الذين يصلون ويصومون  ويتصدقون  وهم يخافون ألا يتقبل منهم  (أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) رواه الترمذي وأحمد .
فالمخلص يخاف دائما من تسلل الرياء إلى نفسه  وهو لا يشعر ،ولهذا سمي( الشهوة  الخفية ) التي تتسلل إلى نفس السالك دون أن يتنبه لها .
3-أن يؤثر العمل الصامت البعيد عن الأضواء
وذلك بأن يكون العمل الصامت أحب إليه من العمل الذي يحفه ضجيج الإعلان  وطنين الشهرة  ليظل دائما الجندي المجهول  الذي يبذل ولا يعرف ،ويضحي ولا يذكر وفي الحديث (إن الله يحب الأبرار الأتقياء  الأخفياء  الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا  لم يعرفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة ) .
4-ألا يطلب  المدح ولا يغتر به
ومن دلائل الإخلاص ألا يطلب مدح المادحين ولا يحرص عليه ، قال ابن عطاء الله :الناس يمدحونك لما يظنون فيك ،لكن لتكن ذاما  لنفسك لما تعلمه منها ،وأجهل الناس من ترك يقين ما عنده  لظن ما عند الناس .
يروى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان إذا مدح  يقول :اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون  واغفر لي ما لا يعلمون  .
5-ألا يبخل بمدح  من يستحق المدح
فمن علامات الإخلاص ألا يبخل بمدح من يستحق  المدح  والإشادة  بكل من هو  أهل للإشادة  
فهناك آفتان خطيرتان :أ- توجيه المدح  والثناء لمن لا يستحقه  .ب – الضن بالمدح  عمن يستحقه
وقد مدح رسول الله أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وكثيرا من الصحابة رضي الله  عنهم أجمعين .
6-استواء العمل في القيادة والجندية :
ومن علامات الإخلاص كذلك  استواء العمل عنده سواء كان قائدا  أو مقودا  ما دام  في ذلك رضي الله عز وجل ، فلا يحرص على الرياسة ولا يطلبها  لنفسه فإذا حملها  حملها  واستعان بالله على القيام بها .
وقد قال صلى الله عليه وسلم (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله  أشعث رأسه مغبرة قدماه  إن كان في الساقة  كان في الساقة  وإن كان في الحراسة كان في الحراسة  ...) رواه البخاري
ومن الأمثلة المضيئة في ذلك  موقف خالد  بن الوليد رضي الله عنه لما عزل من قيادة الجيش فإنه لم يتأثر  ولم يتمرد وهو القائد المظفر ،بل سمع وأطاع وقاتل كما كان يقاتل .
7- الاهتمام برضى الله لا برضى   الناس :
وذلك بأن لا يبالي  برضى الناس إذا كان فيه سخط  الله  ،قال الشافعي رحمه الله رضى الناس غاية لا تدرك
وقال محمد مولود  في المطهرة :
ومبتغي رضاهم لا ينتظر     رضى المصور  العزيز المقتدر
8-  جعل الرضى  والسخط  لله لا للنفس
وذلك بأن يكون حبه وبغضه  وعطاؤه  ومنعه ورضاه وغضبه لله ولدينه  لا لنفسه ومنافعه .
9-    الصبر على طول الطريق
بأن لا يحمله طول الطريق واستبطاء الثمرة  ،وتأخر النجاح على الكسل  والتراخي ،فقد لبث نوح في قومه مآت السنين  فلم يترك الدعوة  رغم طول المدة  ،وصدود الناس  (قال ربي إني دعوت  قومي ليلا  ونهارا  فلم يزدهم دعايئ إلا فرارا  وإني كلما دعوتهم  لتغفر لهم  جعلوا  أصابعهم  في آذانهم  واستغشوا  ثيابهم  وأصروا واستكبروا استكبارا )
وقال تعالى (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما  )
10- الفرح بكل كفاية تبرز :
فتجد المخلص إذا وجد  من هو خير منه في تحمل مسئوليته تنحى له راضيا ،وقدمه على نفسه طائعا وحمد الله على أن وجد من الأمة من يقوم بالمسئولية أحسن قيام .
11- السلامة من آفة العجب :
لأن الله تعلى وصف لنا من يتقبل منهم  فقال تعالى ( إنما يتقبل الله من المتقين ) ويقول منفرا من العجب  ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين )
وفي الحديث ( ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع  وإعجاب المرء بنفسه )
خامسا/  ضرورة الإخلاص لحملة الدعوة
إن العمل لسيادة الإسلام  وعودته لقيادة  الحياة  بعقيدته وأخلاقه ،وشريعته ، وحضارته عبادة  وقربة لله عز وجل ،وتجريد النية  لله في هذه العبادة  أمر أساسي لقبول العمل ،ونجاحه ،فالنية المدخولة  تفسد العمل .
وقد كتب سالم بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز ناصحا له :اعلم أن عون الله  للعبد على قدر النية ،فمن تمت نيته تم عون الله له ،ومن نقصت نيته نقص قدره .
فالمخلصون هم جند الدعوات ،وحملة الرسالات ،وورثة النبوات ،وهم الذين ينتصرون بالدعوة ،وتنتصر بهم ،ولو كانوا فقراء المال ضعفاء الجاه  قال صلى الله عليه وسلم (رب أشعث أغبر مدفوع  بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم (وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ) رواه البخاري مرسلا ،ورواه أبو بكر البرقاني في صحيحه متصلا .
وعن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ابغوني الضعفاء فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم )
رواه أبو داود بإسناد جيد .
سادسا / من ثمرات الإخلاص :
إن للإخلاص ثمرات طيبة في النفس والحياة نجملها فيما يلي :
1-السكينة النفسية
قال الله تعالى ((ضرب الله مثلا رجلا  فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا  الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )) وقال تعالى ((من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ))
وقال صلى الله عليه وسلم (من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره ،وجعل فقره  بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن كانت الآخرة  نيته جمع الله له أمره  وجعل غناه  في قلبه ،وأتته الدنيا وهي راغمة )
2-القوة الروحية
ويدل لها قول النبي صلى الله عليه وسلم (والله لوضعوا وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أموت دونه )
3-  الاستمرار في العمل
وذلك لأن ما كان لله دام  واتصل ،وما كان لغيره انقطع  وانفصل .
4- تحويل المباحات  والعادات إلى عبادات :
قال تعالى (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب  ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا  يغيظ  الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح  إن الله لايضيع  أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة  ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم  ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون )
5 -إحراز ثواب  العمل وإن لم  يتمه أو لم يعمله :
قال تعالى (ومن يخرج من بيته  مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه  الموت  فقد وقع أجره على الله  وكان الله غفورا رحيما)
وقال صلى الله عليه وسلم ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء  وإن مات على فراشه ) رواه مسلم
وقال (إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر )
7-النصر والكفاية الإلهية :
قال تعالى (أليس الله بكاف  عبده  ) وقال ( إن تنصروا الله ينصركم  ويثبت أقدامكم )
وقال (لقد رضي الله عن  المؤمنين  إذ  يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم  وأنزل فأنزل السكينة عليهم  وأثابهم فتحا قريبا )
8-تأييد الله ومعونته في الشدائد والأزمات :
قال الله تعالى (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم  في الفلك وجرين بهم بريح طيبة  وفرحوا بها  جاءتها ريح عاصف وجاء هم  الموج  من كل مكان وظنوا أنهم أحيط  بهم  دعوا الله مخلصين له الدين )
وقصة الثلاثة  الذين دخلوا  الغار فانسد عليهم فذكر كل واحد منهم عملا قد عمله خالصا لوجه الله تعالى فأنجاهم الله تعالى بذلك الإخلاص .