الأحد، 24 مارس 2019

تعظيم الصلاة


بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين
((تعظيم الصلاة))
لم يفترض الله تعالى على عباده بعد توحيده ،والتصديق برسله عليهم الصلاة والسلام فريضة أول ولا أعظم من الصلاة
من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة
وأهم أمور العبد الصلاة كما كان عمر رضي الله عنه يكتب إلى عماله كما في الموطأ : إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع .
وهي عمود الإسلام وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة فإن قبلت قبل سائر العمل ،وإن ردت رد سائر العمل ،وهي آخر ما يفقد من الدين ،ولم تفرض في الأرض ،ولا بواسطة ملك مقرب ،بل فرضها الله سبحانه وتعالى مباشرة ليلة الإسراء والمعراج ،وما ذاك إلا لعظمتها .
فلا يستقيم دين المسلم ،ولا تصلح أعماله ،ولا يعتدل سلوكه في شئون دينه ودنياه حتى يقيم هذه الصلاة على وجهها المشروع عقيدة وعبادة متأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولا ريب أن الصلاة قرة عيون المحبين ،ولذة أرواح الموحدين ،وبستان العابدين ،ولذة نفوس الخاشعين ،ومحك أحوال الصادقين ،وميزان أحوال السالكين ،وهي رحمة الله المهداة إلى عباه المؤمنين ،هداهم إليها وعرفهم بها ،وأهداها إليهم على يد رسوله الصادق الأمين رحمة بهم وإكراما لهم لينالوا بها شرف كرامته ،والفوز بقربه ،لا لحاجة منه إليهم ،بل منة منه وتفضلا عليهم ،وتعبد بها قلوبهم وجوارحهم جميعا .( انظر أسرار الصلاة لابن القيم ص 228)
فحري بكل مسلم أن تعظم عنايته بهذه الفريضة التي هي صلة بينه وبين ربه تعالى اهتماما بأركانها وواجباتها وشروطها وغير ذلك مما شرع الله تعالى فيها ،وأن يؤديها بغاية الخشوع والإحسان والطمأنينة ظاهرا وباطنا ليفوز بعظيم الثواب .
ففي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول (( ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله ))

ومما يدل على عظم الصلاة :
1- إيجاب الله لها على جميع النبيين
قال تعالى عن إبراهيم (( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة ))
وقال (( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي )) ، وقال في شأن إسماعيل (( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا )) ، وقال عن الأنبياء (( وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة )) ، وقال تعالى لموسى (( وأقم الصلاة لذكري )) ، وقال في قصة زكريا (( فنادته الملائكة وهو يصلي في المحراب )).
وروى الإمام أحمد بسند ثابت (( كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم  الصلاة الصلاة  اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ))
بل روى ابن ماجه بسند ثابت عن أنس رضي الله عنه قال : كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه (( الصلاة وما ملكت أيمانكم )) .
وهذا بلا ريب يدلنا على عظم مكانة الصلاة في الإسلام ،وعظم عناية نبينا عليه الصلاة والسلام بها ، ومن يقرأ أحاديثه الشريفة ووصاياه المنيفة في حياته كلها يدرك قيمة الصلاة ومكانتها في الإسلام .
وجاء في المسند بإسناد جيد أن الصلاة ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم  يوما فقال (( من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ،ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف )) ، وفي صحيح مسلم مرفوعا (( بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة )) ، وفي المسند مرفوعا  (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) ، وفي صحيح البخاري مرفوعا (( من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته ))
وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم  سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ،وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ،ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة – ولقد رأيتنا أي أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام – وما يتخلف عنها – أي الصلاة في المساجد – إلا منافق معلوم النفاق ،ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ))
انظروا إلى هذه الصورة المشرقة والحال المشرفة التي كان عليها الصحابة الكرام رضي الله عنهم حيث وعو ا عن النبي صلى الله عليه وسلم  سنته وفهموا  وصيته ،وحققوا اتباعه والاقتداء به فكان الرجل منهم يؤتى به يهادي بين الرجلين يساعده رجل عن يمينه وآخر عن شماله حتى يقام في الصف .
وروى ابن أبي شيبة رقم (35906) من حديث تميم بن سلمة رضي الله عنه (( إن أول ما يسأل العبد عنه من عمله الصلاة فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله ))
ولا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ،وأن إثم تاركها عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ،وأعظم من إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر ،وأنه متعرض لعقوبة الله عز وجل وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة .
ومن أدلة الوعيد على تركها قوله تعالى (( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين  ...)) ، وقوله تعالى (( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا )) ، وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أن (( غيا )) نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر.
وروى أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ))
قال الألباني في صحيح الترغيب رقم (570) حسن لغيره ، وقال عمر رضي الله عنه : لا إسلام لمن ترك الصلاة .
وروى مسلم عن ابن عمر مرفوعا (( من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله )) ، أي كأنما انتزع منه أهله وماله فبقي بلا أهل ولا مال.
وروى من حديث أنس مرفوعا  (( تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ))
    

المناسبة بين الرؤية والصلاة
ففي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال (( أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة  قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )) يعني العصر والفجر ، ثم قرأ جرير (( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وبل غروبها ))
ففي هذا الحديث إشارة إلى الصلة بين الصلاة والرؤية ، قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
وقد قيل في مناسبة الأمر بالمحافظة  على هاتين الصلاتين عقيب ذكر الرؤية :
أن أعلى ما في الجنة رؤية الله عز وجل ،وأشرف ما في الدنيا من الأعمال هاتان الصلاتان فالمحافظة عليهما يرجى بها دخول الجنة ،ورؤية الله عز وجل فيها .
بل إن صلاة الفجر خاصة مفتاح اليوم ،ومن أكرمه الله عز وجل بالنهوض لهذه الصلاة والاهتمام بها أعين على بقية اليوم فإن ما يكون من العبد في الفجر ينسحب على بقية اليوم كما قال بعض السلف : يومك مثل جملك إن أمسكت أوله تبعك آخره .
وفي قوله (( ألا تغلبوا )) إشارة إلى أن في الدنيا أمورا كثيرة تغالب الناس في المحافظة على هاتين الصلاتين .
وفي الحديث دلالة على أن الاعتقاد الصحيح السليم يؤثر على عمل العبد وسلوكه ،فكلما ازداد إيمانه وقوي يقينه ازداد استقامة وجدا وعملا وبذلا ومحافظة على طاعة الله .
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عظني وأوجز ،وفي رواية علمني وأوجز فقال (( إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ،ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا ، وأجمع اليأس مما في أيدي الناس )) رواه أحمد
وهذا الشعور يؤدي إلى حسن الأداء وتمام الإتقان .
وقال ابن عباس : يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان ،ولكن يقوم إليها طلق الوجه ،عظيم الرغبة ،شديد الفرح فإنه يناجي الله عز وجل ،وإن الله عز وجل أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه .
قال القرطبي رحمه الله تعالى : والخشوع محله القلب فإذا خشع خشعت الجوارح لخشوعه إذ هو ملكها .
وكان الرجل من العلماء إذا أقام الصلاة وقام إليها يهاب الرحمان أن يمد بصره إلى شيء ،وأن يحدث نفسه بشيء من الدنيا .
وقال عطاء : هو ألا يعبث بشيء من جسده في الصلاة ،وأبصر النبي صلى الله عليه وسلم  رجلا  يعبث بلحيته في الصلاة فقال (( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ))  رواه الحكيم الترمذي وضعف .
قال الشاعر :
ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع........لأن بها الآراب لله تخضع
وأول فرض من شريعة ديننا............وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع
فمن قام للتكبير لاقته رحمة............وكان كعبد باب مولاه يقرع
وصار لرب العرش حين صلاته.........نجيا فيا طوباه لو كان يخشع .
واختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها على قولين ،والصحيح الأول ومحله القلب . القرطبي 15/8 - 10
والخشوع أول علم يرفع من الناس ، والخاشعون : جمع خاشع وهو المتواضع ، والخشوع هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع  ، وقال قتادة : الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر في الصلاة .
وقال الزجاج : الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه ، قال سفيان الثوري : سألت الأعمش عن الخشوع فقال : يا ثوري أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع ! ، سألت إبراهيم النخعي عن الخشوع فقال أعيمش تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع ، ليس الخشوع بأكل الخشن ،ولبس الخشن وتطأطئ الرأس ، لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء ،وتخشع لله في كل فرض افترض عليك .
ونظر عمر بن الخطاب إلى شاب قد نكس رأسه فقال : يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب .
وقال علي بن أبي طالب : الخشوع في القلب ،وأن تلين كفيك للمرء المسلم ،وألا تلتفت في صلاتك ، فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا على نفاق .
قال سهل بن عبد الله : لا يكون خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسده لقول الله تبارك وتعالى (( تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ))
قال القرطبي : هذا هو الخشوع المحمود لأن الخوف إذا سكن القلب أوجب خشوع الظاهر فلا يملك صاحبه دفعه فتراه مطرقا متأدبا متذللا .  تفسير القرطبي 2/70
قال سبحانه وتعالى {وأقم الصلاة}
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم  وأمته ،وإقامة الصلاة أداؤها في أوقاتها بقوامتها وركوعها وسجودها وقعودها وتشهدها وجميع شروطها
من فوائد الصلاة
قال تعالى (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) ، يريد إن الصلوات الخمس هي التي تكفر ما بينها من الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام (( أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء )) قالوا لا يبقى من درنه شيء ،قال (( فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا )) رواه الترمذي .
(( أقم الصلاة )) : إدامتها والقيام بحدودها ،ثم أخبر حكما منه بأن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة ،والصلاة تشغل كل بدن المصلي فإذا دخل المصلي في محرابه وخشع وأخبت لربه وادكر أنه واقف بين يديه ،وأنه مطلع عليه ويراه صلحت لذلك نفسه وتذللت ،وخامرها ارتقاب الله تعالى ،وظهر على جوارحه هيبتها ،ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة ،فهذا معنى هذا الإخبار ؛لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون .
قلت :ولا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله ،وهذا أبلغ في المقصود وأتم في المراد .
فإن الموت ليس له سن محدود ولا زمن مخصوص ،ولا مرض معلوم وهذا مما لا خلاف فيه .
وروي عن بعض السلف أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه ،فكلم في ذلك فقال : إني واقف بين يدي الله تعالى وحق لي هذا مع ملوك الدنيا فكيف مع ملك الموت ؟
فهذه صلاة تنهى ولا بد عن الفحشاء والمنكر ، ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء لا خشوع فيها ، ولا تذكر،
 ولا فضائل كصلاتنا – وليتها تجزي – فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان . القرطبي 16/366 – 368
والصلاة سبب للرزق ،قال الله تعالى (( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك )) ، وشفاء من وجع البطن وغيره ، وكان صلى الله عليه وسلم  إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة . أخرجه أحمد وأبو داود . القرطبي 1/261 – 262 
ويقول ناظم متن الأخضري رحمهما الله تعالى :
فصل وللصلاة نور عظما.........به ينير كل قلب أسلما
وإنما يناله من خشعا..........فإن أتيت إلى الصلاة فاخضعا
وفرغ القلب من الدنا تصل.......وبمراقبة مولاك اشتغل
ذاك الذي لوجهه تصلي........واعتقد أنها له تذل
بفعلها معظما مجلا.........بقولها ،وحافظ أن تخلا
بنقص أو وسوسة ما كانا.......أعظمها ،لا تترك الشيطانا
يلعب بقلبك إلى أن يظلما.......قلبا ولذة الصلاة تحرما
فداوم الخشوع فيها تخشى.........لنهيها عن منكر وفحشا
ولتستعن في ذاك بالرحمن.........فالمستعان خير مستعان .
الاهتمام بتكبيرة الإحرام
روى الترمذي في جامعه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق )) ، والمراد أن الملازمة إذا استمرت هذه المدة فالغالب أن المرء يتلذذ بالعبادة ،ويتذوق حلاوتها ،ويذهب عنه التكلف فتحصل له الاستقامة والمداومة بتوفيق الله عز وجل ،
والأربعين فيها يتحول الإنسان من حال إلى حال ، لحديث (( في بطن أمه أربعين يوما نطفة ...))
قال وكيع بن الجراح كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى ،واختلفت إليه قريبا من سبعين فما رأيته يقضي ركعة ، وقال سعيد بن المسيب : ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة ،وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة ، وقال إبراهيم التيمي : إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه .
  والصلاة التي تقر بها العين ويستريح بها القلب هي التي تجمع ستة مشاهد :
1- الإخلاص : يأتي بها ابتغاء وجه الله تعالى
2- مشهد الصدق والنصح : وهو أن يفرغ قلبه لله فيها والإقبال بكليته عليه ظاهرا وباطنا ،والصلاة التي كمل ظاهرها وباطنها تصعد ولها نور وتقول : حفظك الله كما حفظتني
3- مشهد المتابعة والاقتداء كما قال صلى الله عليه وسلم  (( صلوا كما رأيتموني أصلي ))
4- مشهد الإحسان : وهو مشهد المراقبة ،ومشهد الإحسان أصل أعمال القلوب كلها فإنه يوجب الحياء والإجلال والتعظيم والخشية والمحبة والإنابة والتوكل والخضوع لله – سبحانه – والذل له ،ويقطع الوسواس وحديث النفس ،ويجمع القلب والهم على الله تعالى
5- مشهد المنة : وهو أن يشهد أن المنة لله – سبحانه – كونه أقامه في هذا المقام ،وأهله له ،ووفقه لقيام قلبه وبدنه في خدمته ، قال الشاعر: والله لولا الله ما اهتدينا.......ولا تصدقنا ولا صلينا ، قال تعالى (( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين )) ، وهذا مشهد عظيم وفيه من الفوائد أنه يحول بين القلب وبين العجب بالعمل ورؤيته
6- مشهد التقصير : وهو أن العبد لو اجتهد في القيام بالأمر غاية الاجتهاد ،وبذل وسعه فهو مقصر ،وإذا شهد العبد من نفسه أنه لم يوف ربه في عبوديته حقه ولا قريبا من حقه علم تقصيره ولم يسعه مع ذلك غير الاستغفار والاعتذار من تقصيره وتفريطه ،وعدم القيام بما ينبغي له من حقه .
وتدبر الفاتحة وما فيها من المعاني العظيمة مما يعين على الخشوع في الصلاة ،والحضور فيها .
الصلاة جامعة لمتفرق العبودية
ولما كانت العبودية غاية كمال الإنسان ،وقربه من الله بحسب نصيبه من عبوديته ،وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية متضمنة لأقسامها كانت أفضل أعمال العبد ،ومنزلتها من الإسلام بمنزلة عمود الفسطاط منه ،وكان السجود أفضل أركانها الفعلية ،وسرها الذي شرعت لأجله ،وكان تكرره في الصلاة أكثر من تكرر سائر الأركان ،وجعله خاتمة الركعة وغايتها ،وشرع فعله بعد الركوع ،فإن الركوع توطئة له ومقدمة بين يديه ،وشرع فيه من الثناء على الله بما يناسبه وهو قول العبد (( سبحان ربي الأعلى ))
فهذا أفضل ما يقال فيه ... فالرحمة تحصل الخير ،والمغفرة تقي الشر ،والهداية توصل إلى هذا وهذا ،والرزق إعطاء ما به قوام البدن من الطعام والشراب ،وما به قوام الروح والقلب من العلم والإيمان ، فهذا الركن مقصود ،والدعاء فيه مقصود ،فهو ركن وضع للرغبة ،وطلب العفو والمغفرة والرحمة .
الصلاة تفصيل لمضمون : الله أكبر
فالتكبير يتضمن تفاصيل أفعال الصلاة وأقوالها وهيئاتها ،فالصلاة من أولها إلى آخرها تفصيل لمضمون (( الله أكبر ))
فلا أحسن من هذا التحريم المتضمن للإخلاص والتوحيد ،وهذا التحليل المتضمن للإحسان إلى إخوانه المؤمنين ،فافتتحت بالإخلاص وختمت بالإحسان .
كيف ندفع الوسواس في الصلاة :
ففي الحديث (( إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها )) رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني  ، فإنه ليس له من صلاته إلا ما عقل منها ، فاجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله ويفعله ،ويتدبر القراءة والذكر والدعاء ،ويستحضر أنه مناج لله تعالى كأنه يراه .
وأما زوال العارض فهو الاجتهاد في دفع ما يشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يعنيه ... وكثرة الوسواس بحسب كثرة الشبهات والشهوات ،وتعليق القلب بالمحبوبات .
الصلاة المثمرة :
قال تعالى (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ))  إنما الصلاة التي تكون برا هي التي تؤدى : بإخلاص وخشوع  فتلخص فكرة الإسلام الأساسية عن اتصال المخلوق بالخالق ،واستمداد الضعيف من القوي : ففيها نصيب للجسد في القيام والركوع والسجود ، ونصيب للعقل في تدبر القرآن والأذكار ، ونصيب للروح في الاستسلام إلى الله تعالى ، ومثل هذه الصلاة هي التي يدعو إليها الإسلام ،ويرى فيها فكرته الأساسية عن الحياة .
إقامة الصلاة أن تتما.........أركانها مع الخشوع ثما
واحضر بها حضور عاقل الإبل.......أو البديل حين كيل أو بدل .

من كرم الله تعالى : فالله تعالى يلقي في القلوب أكثر مما يفعله العبد لطفا به ، (( وكان الله شاكرا عليما ))
وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل الله تعالى قلوب المؤمنين تقبل إليه بالود والرحمة ،وكان الله تعالى إليه بكل خير أسرع ، قال الله تعالى (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ))وقال طلق بن حبيب رحمه الله تعالى التقوى : عمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله ، والتقوى : ترك معصية الله مخافة الله على نور من الله
وقال بن منبه رحمه الله تعالى : إنا نجد في الكتب .... وحق علي أن لا أضل عبدي وهو حريص على الهدى وأنا الحكم
وقال الحسن رحمه الله تعالى : إنما الفقيه الزاهد في الدنيا ،البصير بدينه ،المداوم على عبادة ربه ، وقال : المؤمن في الدنيا كالغريب لا ينافس في عزها ،ولا يجزع من ذلها ،للناس حال ،وله حال ، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
هربوا من الرق الذي خلقوا له.........فبلوا برق النفس والشيطان
وقال ابن منبه : الإيمان عريان ولباسه التقوى ، وماله الفقه ،وزينته الحياء ، وقال محمد بن كعب رحمه الله تعالى : إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين ،وزهده في الدنيا ،وبصره عيوبه ،ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة .
وقال الصنعاني رحمه الله تعالى في النهي عن التشبه بالحيوانات في الصلاة :
إذا نحن قمنا في الصلاة فإننا.........نهينا عن الإتيان فيها بستة
بروك بعير والتفات كثعلب.........ونقر غراب في سجود الفريضة
وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه........وأذناب خيل عند فعل التحية
وزدنا كتدبيج الحمار بمده.........لعنق وتصويب لرأس بركعة .



وصلى الله على نبيه الكريم  ،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق