الجمعة، 30 مارس 2012

* منـزلة الشكر *

صلى الله على نبيه الكريم
* منـزلة الشكر *
وهي من أعلى المنازل وهي فوق منزلة الرضى وزيادة ، فالرضى مندرج في الشكر إذ يستحيل وجود الشكر بدونه.
وهو نصف الإيمان فالإيمان نصفان: نصف شكر ، ونصف صبر .
وقد أمر الله به ، ونهى عن ضده ، وأثنى على أهله ووصف به خواص خلقه وجعله غاية خلقه وأمره ، ووعد أهله بأحسن جزائه ، وجعله سبباً للمزيد من فضله ، وحارساً وحافظاً لنعمته ، وأخبر أن أهله المنتفعون بآياته ، واشتق لهم اسما من أسمائه فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره ، بل يعيد الشاكر مشكوراً ، وهو غاية الرب من عبده ،وأهله هم القليل من عباده .

قال الله تعالى { واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون } ، وقال أيضاً { واشكروا لي ولا تكفرون } ، وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم { إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم من المشركين ، شاكراً لأنعمه..الآية} ، وقال عن نوح عليه السلام { إنه كان عبداً شكوراً } ، وقال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } ، وقال تعالى { واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون } ، وقال تعالى { وسيجزي الله الشاكرين } ، وقال تعالى { وإذْ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } ، وقال تعالى { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } ، وسمى نفسه " شاكر " ، "وشكور " وسمى الشاكرين بهذين الأسمين فأعطاهم من وصفه وسماهم الله باسمه ، وحسبك هذا محبة للشاكرين وفضلاً ، وإعادته للشاكر مشكوراً ، كقوله { إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً } ، ورضى الرب عن عبده به كقوله { وإن تشكروا يرضه لكم } – وقلة أهله في العالمين تدل على أنهم هم خواصه كقوله { وقليل من عبادي الشكور } .

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه قام حتى تورمت قدماه ، فقيل له : تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ ، فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً ".
وقال لمعاذ " والله يا معاذ إني أحبك فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ".

وفي المسند والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعوا بهؤلاء الكلمات " اللهم أعني ولا تعن عليّ وانصرني ولا تنصر عليّ وامكر لي ولا تمكر بي، واهدني ويسر الهدى لي ، وانصرني على من بغى عليّ ، رب اجعلني لك شكاراً ، لك ذكاراً ، لك رهاباً ، لك مُطواعاً لك ، لك مخبتاً ، إليك أوّاهاً منيباً ، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبّت حجتي ، واهد قلبي ، وسدّد لساني ، واسلل سخيمة صدري " .

وأصل الشكر في وضع اللسان : ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهوراً بيّناً ، ودابة شكور: إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تأكل وتعطي من العلف .
وفي صحيح مسلم " حتى إن الدواب لتَشْكَر من لحومهم " أي لتسمن .
وكذلك حقيقته في العبودية ،وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً ، وعلى قلبه شهوداً ومحبة ، وعلى جوارحه انقياداً وطاعةً .

والشكر مبني على خمس قواعد:-
1- خضوع الشاكر للمشكور.
2- حبه له .
3- اعترافه بنعمته .
4- ثناؤه عليه بها .
5- أن لا يستعملها فيما يكره .
وقال أبو عثمان: الشكر معرفة العجز عن الشكر .
إذا كان شكري نعمة الله نعمة............عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله..............وإن طالت الأيام واتسع العمر
إذا مس بالسراء عم سرورها.............وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلا له فيه منـة.............تضيق لها الأفهام والبر والبحر
لك الحمد مولانا على كل نعمة..........ومن جملة النعماء قولي لك الحمد
فلا حمد إلا أن تمن بنعمــة.............تعاليت لا يقوي على شكرك العبد

والشكر قيد النعم الموجودة ، وصيد النعم المفقودة ، وشكر العامة على المطعم والمشرب والملبس وقوت البدن ، وشكر الخاصة: على التوحيد والإيمان وقوت القلوب .
وقال داوود عليه السلام: كيف أشكرك؟ ، وشكري لك نعمة عليّ من عندك تستوجب بها شكراً ، فقال: الآن شكرتني يا داوود .
والشكر معه المزيد أبداً لقوله تعالى{ وإذْ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ..الآية} ، فمتى لم ترحا لك في مزيد فاستقبل الشكر.
وفي أثر إلهي يقول الله عز وجل : أهل ذكري أهل مجالستي ، وأهل شكري أهل زيادتي ، وأهل طاعتي أهل كرامتي ، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم ،وإن لم يتوبوا

فانا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب )([1])
وقيل من كتم النعمة فقد كفرها ،ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها وهذا مأخوذ من قوله صلي الله عليه وسلم ( إن الله إذا أنعم علي عبد بنعمة أحب أن يري أثر نعمته علي عبده )
وفي الحديث: " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبدٌ لا يحمده "([2])

والتحدث بالنعمة نوعان :
1- أن يذكر النعمة ويخبر بها
2- الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته ، وتعليم الأمة ، وهذا غاية الكرم الذي لا كرم فوقه ،يُنعم عليك ثم يوزعك شكر النعمة ، ويرضى عنك ، ثم يعيد إليك منفعة شكرك ويجعله سببا لتوالي نعمه واتصالها إليك والزيادة على ذلك منها.



- أنواع الشكر –
1- الشكر باللسان وهو الثناء على المنعم والتحدث بالنعم.
2- الشكر بالجوارح وهو العمل بطاعة الله وترك معاصيه.
3- الشكر بالقلب وهو معرفة مقدارا النعمة والعلم بأنها من الله وحده والعلم بأنها تفضل لا باستحقاق والنعمة التي يجب الشكر عليها لا تحصى ، قال تعالى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور الرحيم }، ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام:-
أ‌- نعم دنيوية كالعافية المال.
ب‌- نعم دينية كالعلم والتقوى.
ت‌- نعم أخروية : وهي جزاءه بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير ، والناس في الشكر على مقامين:
1- ( من هم من يشكر الله على النعم الواصلة إليه خاصة.
2- ( ومنهم من يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم.

- الشكر على ثلاث درجات-
1- فدرجة العوام الشكر على النعم.
2- ودرجة الخواص على النعم والنقم وعلى كل حال.
3- ودرجة خواص الخواص أن يغيب عن النعمة بمشاهدة المنعم تعالى،

- شكر الجوارح-
قال رجل لأبي حازم: ( ما شكر العينين؟) قال: ( إن رأيت بهما خيراً أعلنته وإن رأيت بهما شراً سترته)، (قال ما شكر الأذنين؟)، قال: (إن سمعت بهما خيراً وعيته وإن سمعت بهما شراً أخفيته)، (قال فما شكر اليدين؟)، قال: ( لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقاً لله هو فيهما)
(قال فما شكر البطن؟)، قال: ( أن يكون أسفله طعاماً وأعلاه علماً) ، (قال فما شكر الفَرج )، قال: ( قال تعالى { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}، (قال فما شكر الرجلين؟) ، قال: ( قال إن رأيت غبطة استعملت بهما عمله وإن رأيت ميتا مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله تعالى.
وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر.


- حقيقة الشكر-
وهو ينتظم من علم وحال وعمل.
فالعلم معرفة النعمة من المنعم – والحال هو الفرح الحاصل بإنعامه – والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه ، ويتعلق ذلك العمل بالقلب والجوارح واللسان.
وأما القلب: فقصد الخير وإضماره لكافة الخلق.
وأما اللسان: فإظهار الشكر لله تعالى بالتحميدات الدالة عليه.
وأما الجوارح: فاستعمال نعم الله تعالى في طاعته والتوقي من الاستعانة بها على معصيته ، فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة اليد.
ومن نظر إلى محرم فقد كفر نعمة العين ، إذ خلقت ليبصر بها ما ينفعه في دنياه وآخرته ، ويتق بها ما يضر فيهما.


وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
والحمد للـــــــــــــه رب العالمين


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، 

{من ثمرات الإيمان}

بسم الله الرحمن الرحيم 
{من ثمرات الإيمان}

إن الإيمان إذا رسخ في القلب كانت له ثمرات عظيمة وكثيرة لا يمكن الإحاطة بها ولكنني سأكتفي بنماذج من تلك الثمرات فمنها :
اليقين بوحدانية الله تعالى وأنه هو خالق هذا الكون ومدبره ومصرف أموره من حياة وموت وعز وذل وغنى وفقر قال تعالى ( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ) وقال (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين )وقال (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )
ويترتب على تيقن ذلك وتذوقه الطمأنينة إلى قضائه تعالى وقدره وأن كل ذلك رحمة وحكمة ومصلحة قال تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلي الله فليتوكل المؤمنون )
وقال (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين )
وقال (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم )

قال ابن كثير: ( أي من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه وعوضه مما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقينا صادقاً وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيراً منه) وذلك كما فعل بأيوب عليه السلام قال تعالى ((وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين )) الأنبياء آية 84
وقال ابن عباس: ( " ومن يؤمن بالله يهدي قلبه " يعني يهد قلبه لليقين فيعلم أنما ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. )

وقال علقمة: ( هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم)
وقال سعيد ابن جبير ومقاتل بن حيان: ( " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " يعني يسترجع ويقول [ إنا لله وإنا إليه راجعون ]، و قال صلى الله عليه وسلم " عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاءً إلا كان خيراً له إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن"(رواه مسلم )([1])
وما دام الأمر كذلك فلا، قلق ولا اكتئاب، ولا اعتراض ، ولا أمراض نفسية ، ذلك لأن القلب قد صلح واطمأن ورضي بالله ربا، وخالقا، ومدبرا ، وتيقن أنه لا تدبير ولا حكم لغيره تعالى ولا فتح ولا إغلاق إلا بإراته، قال تعالى ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل من بعده وهو العزيز الحكيم ) يقتطف من الظلال
فلا خوف من فقر كما يقذف الشيطان في القلوب قال تعالى (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم}.، وقال تعالى { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عزيز حكيم }، وقد صلح القلب بالرضى بشريعة الله ودينه، قال تعالى { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه }.

فلا تطلع لحل مشاكلنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسة في غير الإسلام لأن عقيدة المسلم أن القرآن يهدي للتي هي أقوم ، قال تعالى { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم...الآية }، انظر الأضواء .
ولأنه يعتقد أن التحريم والتحليل من خصائص الله تعالى { ولا تقولوا لم تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون....الآية }، وقال تعالى { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حلالاً وحراماً قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون }.

وهو حسن الظن بربه عكس المنافقين، قال تعالى { ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون }، وقال في وصف المنافقين { الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء }.
ولا خوف من الكفار وإن كثروا لأن ربه ينهاه عن الخوف منهم ويخبره أن الخوف منهم هو مما يقذفه إبليس في القلوب، قال تعالى { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين }، ولا خوف من المستقبل الدنيوي لحسن ظنه بربه.
قال تعالى { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى فليتوكل المؤمنون }وقال إبراهيم في وصفه لربه { إنه كان بي حفيا} ولا خوف من الأمراض لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، والله يقول { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو...الآية} ، وقال تعالى { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم من قبل أن نبرأها إن ذلك على يسير }،


قال الشاعر:-
سهرت عيون ونامت عيون..........لأمور تكون أو لا تكون
فادرئ الهم عن النــفس...........فحملانك الهموم جنون
إن رباً كفاك بالأمس ما كان.........سيكفيك في غدٍ ما يكون
ولأنه يعلم أن الأمراض كفارات قال صلي الله عليه وسلم " ومن يرد الله به خيراً يصب منه )رواه البخاري"
وقال عليه الصلاة والسلام،( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولاهمٍّ ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه ".رواه مسلم
ولا حزن ولا ضعف لأن ربه ينهاه عن ذلك { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم المؤمنين}.
إن أصحاب الإيمان يستقبلون المعضلات المدلهمات بالثبات وباليقين بالله والثقة به بل لا تزيدهم هذه النوازل إلا إيماناً وتسليما قال تعالي في وصف الصحابة الصادقين، { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً،)) وقال تعالى عنهم{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل }
، وقال تعالى { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}،
وصاحب الإيمان القوي يتحلى بالصبر والرضى والاحتساب لأنه يعلم أنه بالصبر على السراء والضراء والمصائب ينال الفوز والجنان ، قال تعالى { إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون }.
والملائكة تهنئ أهل بالجنة بالصبر في رحلة الدنيا ، قال تعالى { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار }.

ولأنه يعلم أن الإعراض عن القرآن نتيجة الشقاء في الدنيا والآخرة ، قال تعالى { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربي لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى }، وفي المقابل فباتباع القرآن تنال السعادة والهداية في الدنيا والآخرة ، قال تعال{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب * الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب }.
قال القرطبي: ( لما فوضوا أمورهم إليه واعتمدوا بقلوبهم عليه أعطاهم من الجزاء أربعة معان: النعمة والفضل وصرف السوء واتباع الرضى فرضاهم عنه ورضي عنهم.(القرطبي 4/282 ).
قال تعالى { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل* فانقلبوا بنعمة وفضل لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم }.
 
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى
والرضى بربوبية الله تتضمن الرضى بعبادته وحده لاشريك له ،وبالرضى بتدبيره للعبد واختياره له ،ويدخل في أعمال الإسلام إخلاص الدين لله تعالى والنصح له ولعباده ،وسلامة القلب لهم من الغش والحسد والحقد وتوابع ذلك من أنواع الأذى
ويدخل في مسمى الإيمان :وجل القلوب من ذكر الله وخشوعها عند سماع ذكره وكتابه ،وزيادة الإيمان بذلك وتحقيق التوكل على الله عز وجل وخوف الله سرا وعلانية والرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ،واختيار تلف النفوس بأعظم أنواع الآلام على الكفر ،واستشعار قرب الله من العبد ودوام استحضاره ،وإيثار محبة الله ورسوله على محبة ما سواهما 

والحب في الله والبغض فيه والعطاء له والمنع له ،وأن يكون جميع الحركات والسكنات له ،وسماحة النفوس بالطاعة المالية والبدنية والاستبشار بعمل الحسنات والفرح بها ،والمساءة بعمل السيئات والحزن عليها ،وإيثار المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وأموالهم وكثرة الحياء وحسن الخلق ومحبة ما يحبه لنفسه ولإخوانه المؤمنين ومواساة المؤمنين خصوصا الجيران ،ومعاضدة المؤمنين ومناصرتهم والحزن بما يحزنهم .
من جامع العلوم والحكم ص 28 




وصلى الله على نبيه الكريم


[1]) ) تفسير ابن كثير ص ( 1825)

" أهمية استغلال الوقت "

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبيه الكريم

" أهمية استغلال الوقت "

*تمهيد*
قال تعالى { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} ، ونهي النفس أي زجرها عن المعاصي والمحارم ، قال سهل ( ترك الهوى مفتاح الجنة لهذه الآية ) ، وقال عبد بن مسعودy: (أنتم في زمان يقود الحق الهوى وسيأتي زمان يقود الهوى الحق فنعوذ بالله من ذلك الزمان ).([1])
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – ( أصل الخير كله بتوفيق الله تعالى ومشيئته وشرف النفس ونبلها وكِبَرها وأصل الشر خستها ودناءتها وصغرها ، قال الله تعالى { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسها } ، أي أفلح من كبرها وكثرها ونماها بطاعة الله تعالى ، وخاب من صغرها وحقرها بمعاصي الله تعالى.
فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا أعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة ، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناآت وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار ، فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم وبالفواحش ولا بالسرقة والخيانة لأنها أكبر من ذلك وأجلُّ ، والنفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك.
فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها ويناسبه فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته ...فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن النعم ، والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبته والثناء عليه والتودد عليه والحياء منه والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله.([2])

...............................
وقد ورد في الشرع بالحث على العمل والمبادرة واغتنام الفرص ، فقال تعالى { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ، أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين } ، وقال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ، وأنفقوا مما رقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين...الآية} ، وقال تعالى { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين } ، وقال عن المخلفين { سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا..الآية}.
وقال تعالى { يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدوا ....الآية}.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس –رضي الله عنهما-قال قالَ رسول الله r " نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " ، وقال r لرجل وهو يعظه " اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ".


قال عمر y (( التؤدة في كل شيء خير إلا ما كان من أمر الآخرة )) ، وكان الحسن البصري يقول: (عجبا لقوم أمروا بالزاد ونودي فيهم الرحيل وحبس أولهم على آخرهم وهم قعود يلعبون ).
وكان ابن عمر y يقوم الليل فيتوضأ ويصلي ثم يُغفي إغفاء الطير ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثم يغفي إغفاء الطير ثم يقوم يصلي يفعل ذلك مراراً، وكان عمير بن هانئ يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة.
لأجل هذا عظمت مراعاة السلف الصالح –رضي الله عنهم –لأنفاسهم ولحظاتهم وبادروا إلى اغتنام ساعاتهم وأوقاتهم ولم يضيعوا أعمارهم في البطالة والتقصير ، ولم يقنعوا من أنفسهم لمولاهم إلا بالجد والتشمير ، وقد علي y : "بقية عمر المؤمن مالها ثمن يدرك فيها ما فات ويحيي ما أمات".
ولأجل محافظتهم على الأوقات لا يرتكبون المباحات الأبنية تقلبها قربة فتكون من المندوبات أو الواجبات ، كان عمر ابن الخطاب y " إذا جن عليه الليل حاسب نفسه وربما ضرب نفسه بالدرة " ، قال المناوي ناقلا عن ابن العربي (( كان أشياخنا يحاسبون أنفسهم على ما يتكلمون به ويفعلونه ويقيدونه في دفتر فإذا كان بعد العشاء حاسبوا نفوسهم وأحضروا دفترهم ونظروا فيما صدر منهم من قول أو عمل وقابلوا كلاَّ بما يستحقه إن استحق استغفارا أو توبة تابوا أو شكرا شكروا ثم ينامون ، فزدنا عليهم في هذا الباب الخواطر فكنا نقيد ما نحدث به أنفسنا ونهم به ونحاسبهم عليه([3]).
وعن ابن عمر y قال: أخذ رسول الله r بمنكبي فقال: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " ، وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ).
وروى الحاكم مرفوعا : ( إن خوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل أما الهوى فيضل عن الحق وأما طول الأمل فيُنسى الآخرة ).([4]).
قال تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه }.

قال الله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ، وقال تعالى { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه...} ، فاقتضت هذه الآيات وما أشبهها خطرا لحساب في الآخرة ، وتحقق أرباب البصائر أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم وصدق المراقبة فمن حاسب نفسه في الدنيا خفّ في يوم القيامة حسابه وحسن منقلبه ومن أهمل المحاسبة دامت حسراته فلما علموا أنه لا ينجيهم إلا الطاعة وقد أمرهم الله تعالى بالصبر والمرابطة فقال { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } ، فرابطوا أنفسهم أولا بالمشارطة ثم المراقبة ثم بالمحاسبة ثم بالمعاقبة ثم بالمجاهدة ثم بالمعاتبة فكانت لهم في المرابطة ست مقامات وأصلها المحاسبة.


ولكن كل حساب يكون بعد مشارطة ومراقبة ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة ، أما المشارطة فأن يقول للنفس مالي بضاعة إلا العمر فنيَ فنِيَ رأس المال ووقع اليأس من التجارة وطلب الربح وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله فيه فإياك إياكَ أن تضيعه ، ثم يستأنف لها وصية أخرى في أعضائه السبعة: العين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل ، فإذا أوصى نفسه وشرط عليها ما ذكرناه فلا يبقى: إلا المراقبة لها عند الخوض في الأعمال فإنها إن تركت طغت وفسدت وتكون له ساعة يحاسبها كالتاجر مع عماله ، فإنه إن وجد فضلا شكره وإن وجد خسرانا طالبه بضمانه وكلفه تداركه في المستقبل ، فكذلك رأس مال العبد في دينه الفرائض وربحه النوافل والفضائل وخسرانه المعاصي وموسم هذه التجارة جملة النهار وعامله نفسه الأمارة بالسوء فيحاسبها على الفرائض فإذا أداها على وجهها شكر الله عليها ورغّبتها في مثلها ، وإن فوتها من أصلها طالبها بالقضاء وإن أداها ناقصة كلفها الجبران بالنوافل وإن ارتكبت معصية اشتغل بعقابها ومعاتبتها ولا يمهلها لئلا تتأنى بفعل المعاصي ويعسر عليه فطامها – المراقبة ، ودليل المراقبة حديث " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " أراد بذلك استحضار عظمة الله تعالى ومراقبته في حال عبادته.
وينبغي أن يراقب الإنسان نفسه قبل العمل وفي العمل هل حركه عليه هوى النفس ، أو المحرك هو الله خاصة فإن كان لله تعالى أمضاه وإلا تركه وهذا هو الإخلاص.
ومراقبته في المعصية تكون بالتوبة والندم والإقلاع ، ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب والشكر على النعم فإنه لا يخلو من نعمة لا بد من الشكر عليها ، أو بلية فلا بد من الصبر عليها أو كل ذلك من المراقبة.


-تنظيم الوقت-
قال وهب بن منبه في حكمه آل داود حق على العاقل أن لا يُشغل عن أربع ساعات ؛ ساعة يناجي ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يُفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يُخلّي بين نفسه وبين ذاتها فيما يحل ولا يحرم فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام للقوة.


*المحاسبة بعد العمل*
دليلها قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد...الآية } ، وهذه إشارة إلى المحاسبة بعد مضي العمل ولذلك قال عمر y:حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا .
وقال الحسن البصري –رحمه الله تعالى -: ( المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه )، وقال أيضا ( أن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من حيلة إليك هيهات حيل بيني وبينك ، ويُفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أرادت هذا ما لي ولهذا ؟ والله لا أعود إلى هذا أبدا إن شاء الله تعالى ، وإن المؤمنين قومٌ أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم ، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئا حتى يلقى الله عز وجل يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره وفي لسانه وفي جوارحه.



* معاقبة النفس على تقصيرها *
وينبغي إذا رأى من نفسه تقصيرا أن يعاقبها عقوبة مباحة كما يعاقب أهله وولده ، كما روى عن عمر y أنه خرج إلى حائط له ثم رجع وقد صلى الناس العصر فقال: إنما خرجت إلى حائطي صدقة على المساكين ، قال اللبث إنما فاتته الجماعة ، وشغله أمر عن المغرب حتى طلع نجمان فلما صلاها أعتق رقبتين.
ونام نميم الداري ليلة لم يتهجد فيها حتى أصبح فقام سنة لم يتم فيها عقوبة للذي صنع ، ومرّ حسان بن سنان بغرفة ، فقال: متى بنبت هذه ؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عمالا يعنيك ! لأعاقبنك بصوم سنة فصامها.....الخ





*المجـــــــــــــــــــــــاهدة*
وهي أنه إذا رأى نفسه تتوانى بحكم الكسل في شيء من الفضائل أو ورد من الأوراد فينبغي له أن يؤدبها بتثقيل الأوراد عليها.
كما ورد عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه فاتته صلاة في جماعة فأحيا تلك الليلة كلها ، وإذا لم تطاوعه نفسه على الأوراد فإنه يجاهدها ويكرهها ما استطاع ، قال ابن المبارك : ( إن الصالحين كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا وإن أنفسنا لا تواتينا إلا كرها ).
ومما يستعان به عليها أن يسمعها أخبار المجتهدين وما ورد في فضلهم ويصحب من يقدر عليه منهم فيقتدى بأفعاله ، قال بعضهم : كنت إذا اعترتني فترة في العبادة نظرت إلى وجه محمد ابن الواسع وإلى اجتهاده فعملت على ذلك أسبوعاً ، وقد كان عامر بن عبد قيس يصلي كل يوم ألف ركعة ، وكان الأسود بن يزيد يصوم حتى يخضر ويصفر ،وحج مسروق فما نام إلا ساجدا ، وكان داود الطائي يشرب الفتيت مكان الخبز ويقرأ بينهما خمسين آية ، وكان كرز بن وبرة يختم كل يوم ثلاث ختمات ، وكان عمر بن عبد العزيز وفتح الموصلي يبكيان الدم ، وصلى أربعون شخصا من القدماء الفجر بوضوء العشاء ، وجاور أبو محمد الحريري سنة فلم يتم ولم يتكلم ولم يستند إلى حائط ولم يمد رجله فقال له أبو بكر الكتاني بم قدرت على هذا ؟ قال علم صدق باطني فأعانني على ظاهري ، ودخلوا على زحلة العابدة فكلموها بالرفق بنفسها فقالت: إنما هي أيام مُبادرة فمن فاته اليوم شيءٌ لم يُدركه غداً ، والله يا إخوتاه لأصلينّ لله ما أقلّتني جوارحي ولأصومنّ له في أيام حياتي ، ولأبكينّ ما حملت الماء عيناي ، ومن أراد أن ينظر سير القوم ويتفرج في بساتين مجاهدتهم ، فلينظر في كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي فإنه سيره من أخبار القوم ما يعد نفسه بالإضافة إليهم من الموتى ، بل من أخبار المتعبدات من النسوة ما يحقر نفسه عند سماعه ويمقتها.






*معاتبة النفس وتوبيخها*
قال أبو بكر الصديقy : من مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من مقته ، وعن أنس y قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودخل حائطا يقول وبيني وبينه جدار عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله با ابن الخطاب أو ليغد بنك ، وقال البختري بن حارثة : دخلت على عابد فإذا بين يديه نار قد أججها وهو يعاتب نفسه فلم يزل يعاتبها حتى مات ، وكان بعضهم يقول: إذا ذكر الصالحون فأف لي وتف ، هذه نبذة موجزة عن سير هؤلاء الصالحين وكيف كان اجتهادهم ، واغتنامهم لساعات هذا العمر القصير الذي نظن المرء يوم القيامة أنه والدنيا كلها كساعة ، قال تعالى {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار}.
قال بعضهم : إذا جمع عمري كساعة فلم لأكون ضنينا بها وأجعلها في بر وطاعة ، فنسأل الله العظيم كما وفقهم أن يوفقنا ، وكما أصلحهم أن يصلحنا إنه جواد كريم رءوف الرحيم.




وصلى الله على نبيه الكريم،،،


[1] انظر تفسير القرطبي 19/208
[2] انظر الفوائد ص (254)
[3] انظر حاشية ابن حمدون ص (687-688).
[4] سنده ضعيف.

((التوبة إلى الله تعالى))

{ بسم الله الرحمن الرحيم }
((التوبة إلى الله تعالى))


إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد الله أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين .

وبعد :

فإنه لما كان العبد معرضا للقصور والتقصير والخطيئة والعصيان، شرع له المليك الديان، الرحيم الرحمان ،تلافي ذلك التقصير بالتوبة والاستغفار ، لتمحى عنه تلك الأوزار ،ويجتبيه واسع المغفرة فيطهره من تلك الآثام، كرما منه سبحانه وإحسان ،أردت أن أذكر بعض ما يتعلق بها تبصرة وذكرى لأولي الألباب .


وسأتناول الموضوع حسب النقاط التالية :
1- تعريف التوبة وأهميتها وحقيقتها
 2- حكم التوبة 
 3- فرائض التوبة وآدابها
 4- مراتب التوبة
5- البواعث على التوبة




* أولا تعريف التوبة وأهميتها وحقيقتها *
 
قال الفيروز آبادي (تاب إلى الله توبا وتوبة ومتابا ...رجع عن المعصية وهو تائب وتواب ، وتاب الله عليه وفقه للتوبة ،أو رجع به من التشديد إلى التخفيف ،أو رجع عليه بفضله وقبوله وهو تواب على عباده ) القاموس المحيط 1- 41
وقال الجرجاني (التوبة : الرجوع إلى الله بحل عقدة الإصرار عن القلب ،ثم القيام بكل حقوق الرب ) التعريفات ص- 70
وعن أهميتها يقول الغزالي رحمه الله تعالى :(أما بعد فإن التوبة عن الذنوب بالرجوع إلى ستار العيوب وعلام الغيوب مبدأ طريق السالكين ،ورأس مال الفائزين ،وأول أقدام المريدين ،ومفتاح استقامة المائلين ،ومطلع الاصطفاء والاجتباء للمقربين ،ولأبينا آدم عليه الصلاة والسلام وعلى سائر الأنبياء أجمعين ،وما أجدر الأولاد بالاقتداء بالآباء والأجداد ...ولقد قرع آدم سن الندم وتندم على ما سبق منه وتقدم ،فمن اتخذه قدوة في الذنب دون التوبة فقد زلت به القدم ...وكل عبد مصحح نسبه إما إلى الملك أو إلى آدم أو إلى شيطان .
فالتائب قد أقام البرهان على صحة نسبه إلى آدم بملازمة حد الإنسان المتلافي للشر بالرجوع إلى الخير .
والمصر على الطغيان أقر على نفسه بنسب الشيطان .((الإحياء 4- 144))

وأما حقيقة التوبة فهي عبارة عن معنى ينتظم من علم ،وحال ،وفعل والمراد بهذا العلم الإيماٍن واليقين ،فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة .واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق فيثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب نار الندم فيتألم القلب حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوبا عن محبوبه ...فتشتعل نيران الحب في قلبه وتنبعث تلك النيران بإرادته للانتهاض للتدارك .
فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مرتبة في الحصول فيطلق اسم التوبة على مجموعها .

وقد يطق اسم التوبة على الندم لحديث (الندم توبة ) رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصحح إسناده .
((خطورة المعاصي))

فالمعاصي للإيمان كالمأكولات المضرة للأبدان ،فلا تزال تجتمع في الباطن حتى تغير مزاج الأخلاط وهو لايشعر بها إلى أن يفسد المزاج فيمرض دفعة ثم يموت دفعة ،فكذلك العاصي يخاف عليه سوء الخاتمة .
انظر الإحياء(( 4- 146 – 163)).

والتوبة لفظ يشترك فيها العبد والرب سبحانه وتعالى ،فإذا نسب إلى العبد فالمعنى أنه رجع إلى ربه عن المعصية ،وإذا وصف بها الرب تبارك وتعالى فالمعنى أنه رجع إلى عبده برحمته وفضله .وأما عن اتصاف الله بأنه تواب بصيغة المبالغة فالمراد بذلك المبالغة في الفعل وكثرة قبوله ،أو أنه لكثرة من يتوب إليه تعالى ،أو أنه الملهم لعباده أن يتوبوا . انظر تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور 1- 59
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى (وتوبة العبد إلى الله محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها. وتوبة منه بعدها ، فتوبته بين توبتين من ربه سابقة ولاحقة .فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما فتاب العبد ،فتاب الله عليه ثانيا قبولا وإثابة
قال الله سبحانه وتعالى (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ) فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم ،وأنها هي التي جعلتهم تائبين .فكانت سببا مقتضيا لتوبتهم .فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم .والحكم ينتفي لانتفاء علته .
المدارج 1- 312 -313
وقال أيضا (ومنزل التوبة أول المنازل وأوسطها وآخرها فلا يفارقه العبد السالك ولا يزال فيه إلى الممات .وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به واستصحبه ونزل به .فالتوبة هي بداية العبد ونهايته .وحاجته إليها في النهاية ضرورية ،كما أن حاجته إليها في البداية كذلك وقد قال الله تعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) وهذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم .ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه وأتى بأداة (لعل )المشعرة بالترجي إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح فلا يرجو الفلاح إلا التائبون جعلنا الله منهم .قال تعالى (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) قسم العباد إلى تائب وظالم ،وما ثم قسم ثالث البتة ،وأوقع اسم الظالم على من لم يتب .ولاأظلم منه لجهله بربه وبحقه ،وبعيب نفسه وآفات أعماله .المدارج 1- 178
وقال أيضا (والتوبة حقيقة دين الإسلام ،والدين كله داخل في مسمى التوبة، وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله ،فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .وإنما يحب الله من فعل ما أمر به، وترك مانهى عنه .فإذا التوبة هي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه ظاهرا وباطنا .ويدخل في مسماها الإسلام والإيمان والإحسان ،وتتناول جميع المقامات ،ولهذا كانت غاية كل مؤمن وبداية الأمر وخاتمته ...وهي الغاية التي وجد لأجلها الخلق ،والأمر والتوحيد جزء منها ،بل هو جزؤها الأعظم الذي عليه بناؤها .وأكثر الناس لايعرفون قدر التوبة ،ولا حقيقتها فضلا عن القيام بها علما وعملا وحالا ..فجميع ما يتكلم فيه الناس من المقامات والأحوال هو تفاصيل التوبة وآثارها ) المدارج 1-306- 307





* ثانيا: حكم التوبة *
قال النووي رحمه الله تعالى (وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة
قال الله تعالى (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) وقال تعالى (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه )
وقال تعالى (يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) "روه البخاري"
وعن الأغر يسار المزني رضي الله عنه قال قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة" "رواه مسلم"
وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" "رواه مسلم".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" " "رواه الترمذي وقال حديث حسن". (رياض الصالحين) ص(31-33)
وقال أيضا (التوبة من جميع المعاصي واجبة على الفور لايجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة .
والتوبة من مهمات الإسلام وقواعده المتأكدة ووجوبها عند أهل السنة بالشرع ) شرح مسلم للنووي 17- 59
فيستفاد من هذا أن التوبة واجبة على الفور من كل ذنب ، وهي مقبولة ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو يصل العبد إلى حال الغرغرة.





- الباعث على التوبة -



قال القرطبي – رحمه الله -: ( قال علماؤنا الباعث على التوبة وحل الإصرار، إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار ، وما ذكره سبحانه من تفاصيل الجنة ووعد به المطيعين ، وما وصفه من عذاب النار وتهدد به العاصين ،ودام على ذلك حتى قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغباً ورهباً ، والرغبة والرهبة ثمرة الخوف والرجاء يخاف من العقاب ويرجو الثواب والله الموفق للصواب.
وقد قيل: إن الباعث على ذلك تنبيه إلهي ينبه به من أراد سعادته لقبح الذنوب وضررها إذ هي سموم مهلكة ، قلت – أي القرطبي- وهذا خلاف في اللفظ لا في المعنى فإن الإنسان لا يتفكر في وعد الله ووعيده إلا بتنبيهه فإذا نظر العبد بتوفيق الله تعالى إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيئات اقترفها.
وانبعث منه الندم على ما فرط وترك مثل ما سبق مخافة عقوبة الله تعالى صدق عليه أنه تائب فإن لم يكن كذلك كان مصراً على المعصية وملازماً لأسباب الهلكة ، قال سهل بن عبد الله: ( علامة التائب أن يشغله الذنب عن الطعام والشراب كالثلاثة الذين خلفوا ) "تفسير القرطبي (211-212)





ثالثاً: فرائض التوبة وآدابها
 
قال ابن جزي – رحمه الله تعالى -: ( فرائض التوبة ثلاثة)
أحدها: " الندم على الذنب من حيث عصي به ذو الجلال لا من حيث أضر ببدن أو مال".
ثانياً : " الإقلاع عن الذنب في أول أوقات الإمكان من غير تأخير ولا توان".
ثالثاً : " العزم أن لا يعود إليها أبداً ومهما قضي عليه بالعود أحدث عزماً مجدداً".
وآدابــــــــــها (ثلاثةً)
1-" الاعتراف بالذنب مقرونا بالانكسار"
2-"الإكثار من التضرع والاستغفار"
3-"الإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من السيئات".





رابعاً: مراتب التوبة
1- فتوبة الكفار من الكفر.
2- وتوبة المخلطين من الذنوب الكبائر.
3- وتوبة العدول من الصغائر.
4- وتوبة العابدين من الفترات.
5- وتوبة السالكين من علل القلوب والآفات.
6- وتوبة أهل الورع من الشبهات.
7- وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات.




البواعث على التوبة
-
1- خوف العقاب.
2- رجاء الثواب.
3- الخجل من الحساب.
4- محبة الحبيب.
5- مراقبة الرقيب القريب.
6- تعظيم المقام.
7- شكر الأنعام. "التسهيل (3/65)


وقال سفيان بن عيينة: ( التوبة نعمة من الله تعالى ، أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم) "تفسير القرطبي 1/401"
قال القرطبي: ( فما أنعم الله على هذه الأمة نعمة بعد الإسلام هي أفضل من التوبة) " نفســـه (1/402).
 



ــالأمر بالتوبة النصوح –

والتوبة النصوح مهمة ولا سيما في حق من عزم على أداء فريضة الحج تلك الفريضة العظيمة التي إن اتصفت بالبر والتوبة الصادقة رجع صاحبها من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً }، قال عنها عمر ابن الخطاب وأبي بن كعب رضي الله عنهما هي (أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه، كما لا يعود اللبن إلى الضرع).
وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى -: ( هي أن يكون العبد نادماً على ما مضى مجمعاً على أن لا يعود فيه).
وقال الكلبي: ( هي أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن).
وقال ابن القيم: ( النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء:-
1- تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها حيث لا تدع ذنباً إلا تناولته).
2- إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادراً بها.
3- تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله تعالى وخشيته ، والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده ، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته ولحفظ حاله أو لحفظ قوته وماله ، أو استدعاء حمد الناس ، أو الهرب من ذمهم ، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء أو لقضاء نهمته من الدنيا ، أو لإفلاسه وعجزه ، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل. (المدارج 1/309-310).






- بم تصيـــــر الصغيرة كبيرة -
تصير الصغيرة كبيرة في الأمور التالية:-
1- بالإصرار عليها. ولذا يقال لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.
2- باستصغارها.
3- بالفرح بها.
4- بالتحدث بها افتخاراً.
5- بالمجاهرة بها بلا حياء.
6- بصدورها من مقتدى به.(انظر حاشية ابن حمدون ص(611).
** وحقوق العباد التي يتاب منها خمســـــــة:- **
1- مالية كالغصب والسرقة.
2- وعرضية كالغيبة.
3- دينية كتكفيره وتفسيقه.
4- بدنية كالقتل والجرح.
5- حرمية كالخيانة في الأهل والولد.


**شرحــــــــــــــــــــها**
- والعرضية فيها خلاف ، والمشهور وجوب الاستحلال ويعلم المغتاب بما اغتابه به ليحلله منه، فإن لم يعينه له، وأبرأه منه إجمالاً ففي كفاية ذلك قولان والأصح كفايته ، ويمكن المقذوف أو وارثه من استيفاء حد القذف منه.
- والدينية كأن يكفره أو يفسقه أو يبدعه
قال ابن رشد: ( يكذب نفسه عند من قال ذلك فيه ويستحله.
- والبدنية اختلف في قتل النفس منها هل يجب تمكين نفسه من القود وعليه الغزالي في الإحياء ، أو لا يجب وهو ظاهر الأحاديث ومال إليه ابن رشد قال: وينبغي أن يعتق ويحمل نفسه على الجهاد ونحوه ليكون كفارة له، ويجب التمكين من القصاص في الضرب والجرح غير المخوفين.
- والحرمية قال في النصيحة: ( يتعين فيها عدم الاستحلال ونحوه في الإحياء ، لأن الاستحلال منها زيادة في الإذاية، والذمي كالمسلم في ماله وعرضه ونفسه.(انظر حاشية ابن حمدون ص(614-615).
((والله أسأل أن يرزقنا وإخواننا المسلمين توبة صادقة نصوحاً ظاهرة وباطنة وأن يتقبلها منا إنه سميع قريب مجيب رحيم ودود))









اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم