الثلاثاء، 13 مارس 2012

(( بعض حكم الحج ))

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
(( بعض حكم الحج ))
قال صاحب مختصر منهاج القاصدين - رحمه الله تعالى -
[ واعلم أن في كل واحد من أفعال الحج تذكر للمتذكر وعبرة للمعتبر فمن ذلك: أن يتذكر بتحصيل الزاد زاد الآخرة من الأعمال ، وليحذر أن تكون أعماله فاسدة من الرياء والسمعة فلا تصحبه ولا تنفعه كالطعام الرطب الذي يفسد في أول منازل السفر.
فيبقى صاحبه وقت الحاجة متحيراً ، فإن فارق وطنه ودخل البادية وشهد تلك العقبات ، فليتذكر بذلك خروجه من الدنيا بالموت إلى ميقات القيامة وما بينهما من الأهوال.
ومن ذلك أن يتذكر وقت إحرامه وتجرده من ثيابه إذا لبس المحرم الإحرام لبس كفنه ، وأنه سيلقى ربه على ذي مخالف لذي أهل الدنيا ، وإذا ليس فليستحضر بتلبيته إجابة الله تعالى إذ قال { وإذّن في الناس بالحج...الآية }، وليرج القبول وليخش عدم الإجابة.
وكذلك إذا وصل إلى الحرم ينبغي أن يرجو الأمن من العقوبة ، وأن يخشى أن لا يكون من أهل القُرب ، غير أنه ينبغي أن يكون الرجاء غالباً لأن الكرم عميم ، وحق الزائر مرعى وذمام المستجير لا يضيع ومن ذلك إذا رأى البيت الحرام استحضر عظمته في قلبه ، وشكر الله تعالى على تبليغه رتبة الوافدين إليه ، وليستشعر عظمة الطواف به ، ويعتقد عند استلام الحجر أنه مبايع لله على طاعته.
ويضم إلى ذلك عزيمته على الوفاء بالبيعة ، وليتذكر بالتعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالمتلزم لجأ المذنب إلى سيده وقرب محبه.
ومن ذلك إذا سعى بين الصفا والمروة ينبغي أن يمثلها بكفتي الميزان ، وتردده بينهما في عرصات القيامة ، أو تردد العبد إلى باب دار الملك إظهار لخلوص خدمته ورجاء الملاحظة بعين رحمته وطمعاً في قضاء حاجته.
وأما الوقوف بعرفة فاذكر بما ترى فيه من ازدحام الخلق وارتفاع أصواتهم واختلاف لغاتهم موقف القيامة ، واجتماع الأمم في ذلك الموطن واستشفاعهم.
فإذا رميت الجمار: فاقصد بذلك الانقياد للأمر ، وإظهار الرق والعبودية ومجرد الامتثال من غير احظ النفس.([1]).
ويقال: من علامة قبول الحج : ترك ما كان عليه من المعاصي ، وأن يتبدل بإخوانه البطالين إخواناً صالحين ، وبمجالس اللهو والغفلة مجالس الذكر واليقظة.
قال القرافي([2]): ( قال الله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله..الآية } ، ولم يقل في الصلاة وغيرها لله ، لأنهما مما يكثر الرياء فيهما جداً ، ويدل على ذلك الاستقراء حتى إن كثيراً من الحجاج لا يكاد يسمع حديثاً في شيء من ذلك إلا ما ذكر ما اتفق له أو لغيره في حجه ، فلما كان مظنة الرياء قيل فيهما: للـــه اعتناء بالإخلاص.
فائدة([3]): ( إنما منع الناس من المخيط وغيره في الإحرام ليخرجوا عن عادتهم والفهم فيكون ذلك مذاكراً لهم بما هم فيه من طاعة ربهم فيقبلوا عليها، وبالآخرة بمفارقة العوائد في لبس المخيط والاندراج في الأكفان ، وانقطاع المألوف من الأوطان واللذات.
- التلبية: خبر ، ومعناه: الوعد لله تعالى بالإقامة على طاعته أو الإجابة له.
وإذا قيل معناها: الإجابة فقيل: هي إجابة إبراهيم عليه السلام ، حيث قيل له " وإذّن في الناس...الآية ".
قال سعيد حوى - رحمه الله تعالى -
1- الحج مجموعة رموز صيغت بأعمال:
فهو رمز على استسلام الإنسان لله تعالى إذا بلغته أمر الله تعالى بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ ينفذ الأمر بصرف النظر عن المعنى العملي لهذا الأمر.
وما الطواف والوقوف والسعي والحلق والتقصير وغيرها من أعمال الحج إلا رمز استسلام المسلم لأمر الله تعالى دون نقاش.
وهو رمز على ارتباط هذه الأمة بأبيها إبراهيم عليه السلام حيث نحيي شعائره ، ونطوف بالبيت الذي بناه.
وهو رمز على وحدة الأمة الإسلامية بصرف النظر عن الأجناس والألوان والأوطان فوحدة المسلمين نابعة نت عقيدتهم ودينهم وشريعتهم.
2- والحج مظهر عملي لكثير من قواعد الإسلام:-
فهو المظهر العملي للأخوة الإسلامية حيث يحس الإنسان بشكل عملي أنه أخ لكل مسلم في العالم ، وهو المظهر العملي للمساواة بين الشعوب إذا دخلت في الإسلام ، وهو المظهر العملي لقوله تعالى { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا....الآية }. ، فيه يتم أعظم تعارف بين الشعوب العالم.
3- والحج مدرسة يرتفع بها المسلم إلى آفاق أرقى وأعلى: يتعلم بها على بذل الجهد مع الصبر " لكن أفضل حج مبرور ".
- ويتعلم بها أن يعيش في عبادة دائمة.
- ويتعلم بها أن يكون لطيفاً مع المؤمنين رحباً بهم.
- ويتعلم بها كبح عواطفه وإلجام نزواته.
- ويتعلم بها دروساً الاخششان والقسوة.
- ويتعلم بها دروس العبودية لله تعالى.
- ويتعلم بها كيف ينفق في سبيل الله تعالى دون مقابل.
- ويتعلم بها كيف يعظم ما عظمه الله تعالى ، وكيف يحقر ما حقره الله تعالى .
- ويتعلم بها أن يعادي من عادى الله تعالى ، وأن يوالي من والاه.
4- والحج يحيي في نفس الإنسان مشاعر كثيرة:-
يحيي فيه مشاعر العطف على المسلمين ، والانتصار لمأساتهم ، ومشاعر الجيل الإسلامي الأول الذي عاش هنا ، وحياة الإضطهاد من أجل العقيدة التي عاناها.
ومشاعر الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ومشاعر التوجيه الله تعالى " لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك "
ومشاعر التجرد عن الدنيا ، والإقبال على الآخرة ، ومشاعر العزم على فتح صفحة جديدة مع الله تعالى.
- والحج إحياء لأخلد ذكريات ربانية عرفها البشر ، ذكرى الأسرة التي لا تبالي في الله شيء ، ذكرى الولد الذي يقدم نفسه قربانا لله تعالى ، ذكرى الوالد الذي يقدم ابنه قربانا لله ، ذكرى الأم التي تثق برعاية الله ثقة لا حدود لها ، وتطيعه وتطيع سيدها طاعة لا حد لها ، ذكرى التوكل الكامل ، ذكرى العودة الفاتحة إلى البيت الذي أخرج من جواره المستضعفون.
- والحج ميزان يعرف به المهتمون بأمر المسلمين حال المسلمين ، فا لأمة الإسلامية بما فيها من قوة أو خير ، من ضعف أو جهل ، من ذلة أو فقر ، من عزة أو غنى ، بما فيها من كل شيء لا تعرف كما تعرف في الحج.
- والحج معول الهدم الأول ، في كل حاجز يوضع بين أبناء هذه الأمة حاجز القومية ، والوطنية ، والمال ، والجاه ، والسلطان ، والشيطان ، كل هذا يزول بضربة واحدة من معول الحج العظيم.
- والحج قبل هذا وبعده طريق من طرق الخلاص من براثن الشيطان إلى معية الرحمن ، فالمسلم الذي يرمي الجمرة قبل طوافه بالبيت ثم يطوف بالبيت ، ثم يرجع ليرمي لا شك أنه تحقق لو تأمل بقوله تعالى { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعورة الوثقى....الآية }.([4])

[1])) مختصر منهاج القاصدين ص ( 54-55)
[2])) في الذخيرة (3/173).
[3])) نفسه (229).
[4])) الإسلام سعيد حوى ص ( 176- 180).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق