الثلاثاء، 13 مارس 2012

(( الصبر ))

بسم الله الرحمن الرحيم
(( الصبر ))


أولا - تعريف الصبر:
1 – لغوي : وهو حبس النفس عن الجزع، وقد صبر فلان عند المصيبة يصبر صبراً، وصبرته أنا: حبسته، قال الله تعالى:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم }[1]
2 – شرعي : وهو حبس النفس على ما أُمِرت به من مكابدة الطاعات والصبر على البلاء، والصبر من أعظم الأصول التي يعتمدها الزهاد وسالكوا طريق الآخرة، وهو باب من أبواب كتب الرقائق.


ثانيا - مجالات الصبر في القرآن الكريم :
وللصبر في القرآن مجالات كثيرة يجمعها أمرين: إما حبس النفس عما تحب، أو حبسها على ما تكره، ولهذا الإجمال تفصيل في كتاب الله تعالى.
1 - الصبر على بلاء الدنيا :
فهناك الصبر على بلاء الدنيا، ونكبات الأيام، وهذا ما لا يخلو منه بر ولافاجر، ولا مؤمن ولا كافر، ولا سيد ولا مسود، لأنه راجع إلى طبيعة الحياة، وطبيعة الإنسان، وما رأينا أحداً يسلم من آلام النفس، وأسقام البدن، وفقدان الأحبة، وخسران المال، وإيذاء الناس، ومتاعب العيش، ومفاجآت الدهر.
وهذا ما أقسم الله على وقوعه حين قال:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ }[2]
وهذا النوع من الصبر هو الذي لا يخطر ببال الكثيرين ، ويمثله في القرآن صبر أيوب على مرضه وفقد أهله، وصبر يعقوب على فراق ولديه "يوسف وأخيه"، وكيد أبنائه وكذبهم عليه.
2 - الصبر عن مشتهيات النفس :
وهذا مجال آخر من مجالات الصبر، هو الصبر عما تشتهيه النفس، ويميل إليه الطبع، من متاع الدنيا وزينتها وشهواتها، التي يسوق إليها الهوى، ويزينها الشيطان.
أ - وهنا نجد في هذا المجال الصبر عن الاستجابة لمتاع الحياة الدنيا وزينتها إذا أقبلت على الإنسان، وتبدت له كالحسناء اللعوب، فهذا لون جديد من الابتلاء، إنه الابتلاء بالسراء لا بالضرّاء، وبالغنى لا بالفقر، وقد قال تعالى: { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً }الأنبياء، وقال: { فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ }[3] ، فجعل الإكرام والتنعيم ابتلاء، كالتضييق في الرزق.
والمؤمن محتاج إلى الصبر عن ملاذ الدنيا، فلا يطلق لنفسه العنان للجري وراء شهواتها، من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام، والحرث، فإنه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال، والركون إليها، والانهماك فيها أخرجه ذلك إلى البطر والطغيان.
ولهذا قال بعض العارفين: البلاء يصبر عليه المؤمن، والعوافي - جمع عافية - لا يصبر عليها إلا صِدّيق.
وقال أحدهم: الصبر على العافية أشد من الصبر على البلاء، ولما فتحت أبواب الدنيا على الصحابة رضي الله عنهم قال بعضهم: ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر.
قال الإمام الغزالي: "وإنما كان الصبر على السراء أشد، لأنه مقرون بالقدرة، ومن العصمة ألا تقدر.. والجائع عند غيبة الطعام، أقدر على الصبر منه إذا حضرته الأطعمة الطيبة اللذيذة، وقدر عليها، فلهذا عظمت فتنة السراء"[4].
ولهذا حذر الله عباده من فتنة الأموال، والأولاد، والأزواج، وشهوات الدنيا جمعاء، في مثل قوله تعالى: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ }[5] ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ }[6]
قال الغزالي: "فالرجل كل الرجل من يصبر على العافية، ومعنى الصبر عليها: ألا يركن إليها، ويعلم أن كل ذلك مستودع عنده، وعسى أن يسترجع على القرب، وألا يرسل نفسه في الفرح بها، ولا ينهمك في التنعم واللذة، واللهو واللعب، وأن يرعى حقوق الله في ماله بالإنفاق، وفي بدنه ببذل المعونة، وفي لسانه بالصدق، وكذلك في سائر ما أنعم الله به عليه"[7].
ب - وثمة مجال آخر للصبر عن الدنيا وزينتها. إنه الصبر عن التطلع إلى دنيا الآخرين، والاغترار بما ينعمون به من مال وبنين. وبخاصة الطغاة المغرورون منهم، فإن ما بأيديهم إنما ظاهره نعمة، وباطنه نقمة.
{ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ }[8] ، وفي هذا خاطب الله رسوله بقوله: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى }[9]
فالمؤمن حقاً هو الذي يعتز بما آتاه الله من نعمة الهداية إلى الإيمان، والتوفيق إلى الطاعة، ويعلم أن المال ظل زائل، وعارية مستردة، ولا يبالي بمظاهر الأبهة والزينة التي يتمتع بها أصحاب الثروة والسلطان، وهذا ما وصف به القرآن أهل البصيرة من قوم موسى، الذين خرج عليهم قارون في زينته، وفخامة موكبه، فقال الذين يريدون الحياة الدنيا في تمنٍ وتحسر: { يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }[10]
أما موقف أهل العلم والإيمان وذوي البصيرة والصبر، فهو ما ذكره القرآن: { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَيُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ }[11]
ج - ونجد كذلك الصبر عن الاستجابة لداعي الشهوة ، وبخاصة الشهوة الجنسية العاتية، التي اعترف الإسلام بقوتها، وضعف الإنسان أمامها، إذ شرع له النكاح:
{ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ }[12]
وخير من يمثل هذا النوع من الصبر في القرآن هو يوسف الصديق عليه السلام، الذي راودته امرأة العزيز عن نفسه، وغلّقت الأبواب وقالت: هيت لك، قال: معاذ الله!
د - وهنا نجد كذلك الصبر عن الاستجابة لداعي الغضب ، ومقابلة السيئة بمثلها، أو بأكثر منها، بأن يكيل للمعتدي الصاع صاعين، ويرد له اللطمة لطمتين، والشتمة شتمتين، وهذا هو الذي جاء فيه قوله تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ }[13]
3 - الصبر على طاعة الله :
وهذا مجال ثالث للصبر، وهو الصبر على طاعة الله تعالى، والقيام بواجب العبودية له سبحانه، وفيه جاء قوله جل شأنه خطاباً لرسوله: { رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياًّ }[14] أيضاً: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }[15]
وقد استخدم القرآن هنا صيغة الافتعال من الصبر "اصطبر"، مكان الصيغة المعتادة "اصبر"، لأن الافتعال يدل على المبالغة في الفعل، فزيادة المبنى تدل في العادة على زيادة المعنى، وما ذاك إلا لأن الطريق إلى طاعة الله مليئة بالمعوقات من داخل النفس ومن خارجها، وفيها يقول الشاعر الصالح:
إنــي ابتُليـتُ بأربـعٍ يرميننـي بالنبـل عن قوسٍ له توتــيرُ
إبلـسُ والدنيا ونفســي والورى يا ربِّ أنتَ على الخلاصِ قديرُ
فإن العبودية شاقة على النفس مطلقاً، ثم من العبادات ما يكره بسبب الكسل كالصلاة، ومنها ما يُكره بسبب البخل كالزكاة، ومنها ما يُكره بسببهما جميعاً كالحج والجهاد، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد.
والصبر على الطاعة يكون في ثلاثة أحـوال :
الحالة الأولى : قبل الطاعة، وذلك في تصحيح النية والإخلاص والصبر عن شوائب الرياء، ودواعي الآفات، وعقد العزم على الإخلاص والوفاء، وذلك من الصبر الشديد عند من يعرف حقيقة النية والإخلاص وآفات الرياء ومكايد النفس، وقد نبَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك، إذ قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"[16] ، وقال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }[17] ، ولهذا قدم الله تعالى الصبر على العمل فقال تعالى: { إِلاَّ الذين صبروا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }[18]
الحالة الثانية : حالة العمل ، كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله، ولايتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه، ويدوم على شرط الأدب إلى آخر العمل فيلازم الصبر عن دواعي الفتور إلى الفراغ، وهذا أيضاً من شدائد الصبر، ولعله المراد بقوله تعالى: { نِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا }[19] ، أي: صبروا إلى تمام العمل.
الحالة الثالثة : بعد الفراغ من العمل، إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للسمعة والرياء، والصبر عن النظر إليه بعين العُجْب، وعن كل ما يبطل عمله ويحبط أثره، كما قال تعالى: { لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى }[20] ، فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى فقد بطل عمله.
وأبرز من يمثل هذا النوع من الصبر في القرآن: الخليل إبراهيم وابنه الذبيح إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، وذلك حين جاء إبراهيم الوحي في الرؤيا بذبح ابنه، فلم يتلكأ في طاعة الأمر، وعرض على ابنه فلم يتردد، وأسلم الوالد ولده، وأسلم الولد عنقه، طاعة لله تعالى.


4 - الصبر على مشاق الدعوة إلى الله :
وهذا مجالٌ رابعٌ لخُلق الصبر في القرآن، وهو الصبر على مشاق الدعوة إلى الله تعالى، وما يحف بها من متاعب وآلام، تنوء بها الظهور، وتضعف عن حملها الكواهل إلا من رحم الله، وذلك أن أصحاب الدعوة إلى الله يطلبون إلى الناس أن يتحرروا من أهوائهم، وأوهامهم، وأولادهم، ومألوفاتهم، وامتيازات طبقاتهم، وينزلوا عن بعض ما يملكون إلى إخوانهم، ويقفوا عند حدود الله فيما أمر ونهى، وأحل وحرم، وأكثر الناس لا يؤمنون بهذه الدعوة الجديدة، فلهذا يقاومونها بكل قوة، ويحاربون دعاتها بكل سلاح، مدللين بأنهم أكثر مالاً، وأعز نفراً، وأقوى نفوذاً، وأوسع سلطاناً.
فليس أمام دعاة الحق إلا أن يعتصموا باليقين، ويتسلحوا بالصبر في وجه القوة الضارية، والسلطة الطاغية، فالصبر هنا - كما قال الإمام علي - : "سيف لاينبو، ومطية لا تكبو، وضياء لا يخبو"، وكما جاء في الحديث الصحيح: "الصبر ضياء"[21].
وهذا هو السر في اقتران التواصي بالصبر بالتواصي بالحق في سورة العصر: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }[22] ، فلا بقاء للحق بغير صبر.
وهو السر فيما ذكره الله على لسان لقمان الحكيم، حيث وصى ابنه بالصبر على ما يصيبه من بلاء وأذى، عقب وصيته له بالأمـر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى على لسانه: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }[23]
كأنه يقول له: مادمت تدعو الناس إلى الخير وتأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر، فوطّن نفسك على احتمال المكاره منهم، وتقبل الأذى من جهتهم فهم خصوم لمن يأمرهم بالمعروف لأنه ثقيل عليهم، وينهاهم عن المنكر، لأنه محبب إليهم.
ومشاق الدعوة إلى الله تتمثل في صور شتى، وقد ذكر القرآن منها أنواعـاً وأمثلـة :
أ - إعراض الخلق عن الداعية : فليس أشق على نفس صاحب الدعوة أن يدعو بملء فيه، ويصيـح بأعلى صوته، بشيراً ونذيراً، فلا يجد إلا آذاناً صماً، وقلوباً غلفاً!
رأينا ذلك مع نوح عليه السلام، حيث قال مناجياً ربه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً(6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً }[24]
ورأينا ذلك مع خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، حيث وصف الله حال قومه معه فقال: {حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ }[25]
ب - أذى الناس بالقول أو الفعل : فليس أشد على نفس الرجل المخلص في دعوته، البريء من الهوى، المحب لخير الناس، من أن يمحض لهم النصح، فيتهموه بما ليس فيه، وأن يدعوهم إلى سبيل ربه بالحكمة فيردوه بالقوة، ويعظهم بالحسنى، فيستقبلوه بالسوء، ويجادلهم بالتي هي أحسن، فيقاوموه بالتي هي أخشن، ويدلهم على الخير، فيقذفوه بالشر، ويصدع فيهم بكلمة الحق، فلا يسمع منهم إلا كلمة الباطل.
وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد، فكثيراً ما يمتد الطغيان إلى الأموال فينهبها، وإلى الأبدان فيعذبها، وإلى الحريات فيسلبها، والحرمات فينتهكها، بل إلى الأنفس فيقتلها، حتى الأرض التي نبتوا منها، وشبوا عليها، ونشأوا في أحضانها هم وآباؤهم وأجدادهم يُخرجون منها إخراجاً.
وهذا ما أقسم القرآن على وقوعه للداعين إلى الله، حيث خاطب بذلك المؤمنين، ليوطنوا أنفسهم على الصبر الطويل، فقال: { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْوَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }[26] .
ج - الصبر على متطلبات العمل الدعوي : وهو مظهر من مظاهر الصبر على عموم التكاليف، ولكن للدعوة تكاليفها الإضافية، والأخذ بأعباء الجهاد، والسعي في مصالح الدعوة، والالتزام بطاعة الأمير، والتنازل عن الكثير من الأمور الدنيوية، والانشغال عن مصالح النفس والأهل بمصالح الدعوة.
والصبر هو زاد الطريق في هذه الدعوة، إنه طريق طويل شاق، حافل بالعقبات والأشواك.
د - طول الطريق واستبطاء النصر : فقد جعل الله العاقبة للمتقين، وكتب النصر لدعاة الحق من رسله وأتباعهم وورثتهم المؤمنين، ولكن هذا النصر لايتحقق بين عشية وضحاها ولا تشرق شمسه إلاً بعد ليل طويل حالك من الشدائد والمحن المتعاقبة تزيغ لهولها الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر، ويظن الناس بالله الظنون، هناك يبُتلى المؤمنون ويُزلزلون زلزالاً شديداً، كما صوَّر القرآن الحالة النفسية للمسلمين في غزوة الأحزاب.
وكم أكد القرآن هذه الحقيقة في أكثر من موضع، وبأكثر من أسلوب فهو يخاطب المؤمنين فيقول: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }[27]
يقولون: متى نصر الله؟ استبطاءً له، واستعجالاً لمجيئه، فيجيئ معه الغوث للملهوف، والفرج للمكروب.



5 - الصبر حين البأس :
ومجال آخر يذكره القرآن للصبر هو الصبر حين البأس، أي: الصبر في الحرب عند لقاء الأعداء، حيث يصبح الفرار كبيرة موبقة، ويصبح الثبات فريضة لازمة، فالصبر هنا شرط أساسي للنصر، وعنصر ضروري للغلبة على العدو وقديماً قالوا: الشجاعة صبر ساعة، ومن هنا أثنى القرآن على الصابرين في آية البر، فقال: { وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ (أي: الفقر) وَالضَّرَّاءِ (أي: المرض) وَحِينَ البَأْسِ (أي: الحرب) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا}[28]
وفي سورة الأنفال، وهي السورة التي نزلت بعد غزوة بدر الكبرى يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ }[29]
فوضع ستة شروط أولها: الثبات، وخامسها: الصبر، وهما من باب واحد، فلا ثبات بغير صبر.
ويؤكد القرآن الأمر بالصبر بهذه الفاصلة التي ختمت بها الآية الكريمة: { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }، ليغري الأنفس به، ويثبت القلوب عليه.



6 - الصبر عن المعصيـة :
وهو أن يمنع المسلم نفسه من الوقوع في المحرمـات والمناهي والمخالفات، والصبر على المحرمات صبر على مخالفة هوى النفس وهو من أشق الأمور على النفس.
والمناهي والمحرمات أكثرها محبب للنفوس، ولها أربعة دواعي تدعو إليها: نفس الإنسان، وشيطانه، وهواه، ودنيـاه، فلا يستطيع تركها حتى يجاهد هذه الأربعة، وذلك من أشق الأمور على النفس، ويحتاج إلى الصبر.
ومن أحسن أمثلة الصبر عن المعصية ما كان من صبر نبي الله يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز إلى فعل الفاحشة مع إصرارها وعزمها على ذلك، ولكن الله عز وجل عصمه بالصبر عن الوقوع في المعصية.
ثالثا - مكانة الصابرين وموضعهم في أهل الإيمان :
نوَّه القرآن بمكانة الصابرين، وبين موضعهم من أهل الإيمان والتقوى، الفائزين بالجنة والناجين من النار :
أ - وفي حديث القرآن عن صفات المتقين الذين أعد لهم جنته ورضوانه في سورة آل عمران، يجعل اتصافهم بالصبر في مقدمة ما تحلوا به من أخلاق بعد الإيمان بالله تعالى، وذلك إذ يقول:
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}[30]
ب - وفي بيان القرآن لأوصاف المخبتين - وهم أهل الخشوع والتواضع والطمأنينة والسكينة - في سورة الحج يجعل الله تعالى الصبر من أجمل حلاهم، وأبرز مزاياهم: { وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }[31]
فقد ذكر الصبر بعد وجل القلوب من ذكر الله، وقبل إقامة الصلاة والإنفاق مما رزق الله، فالمخبتون لهم وصفان نفسيان هما: الوجل والصبر، ووصفان عمليان هما: الصلاة والإنفاق.
ج - وفي سورة الأحزاب يعدد الله المقامات الدينية، والفضائل الخُلقية للجنسين من المسلمين والمسلمات ممن أعدّ لهم المغفرة والأجر العظيم، فيرينا الصبر إحدى السمات البارزة فيقول: { إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِوَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةًوَأَجْراً عَظِيماً }[32]
د - معية الله تعالى للصابرين : {{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }[33] ، وقد ذكرت هذه المعية في القرآن في عدة مواضع منها:
أَمْرُ الله تعالى المؤمنين أن يستعينوا على أمورهم بالصبر والصلاة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }[34] .
وكذلك ورد على لسان المؤمنين من أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يشربوا منه إلا من اغترف غرفة بيده: { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }[35]
هـ - محبة الله تعالى لهم : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[36]
و - إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم : { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[37] ، وقال تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }[38] ، فما من قربة - كما قال الإمام الغزالي إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر، ولأجل كون الصوم من الصبر، وأنه نصف الصبر، قال الله تعالى - أي في الحديث القدسي - : "الصوم لي وأنا أجزي به"[39] فأضافه إلى نفسه من بين سائر العبادات[40].
ز - ضمان النصرة والمدد لهم : قال تعالى: { بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}[41] ، وقال تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا }[42]
وفي هذا جاء الحديث: "واعلم أن النصر مع الصبر"[43].
ح - الحصول على درجة الإمامة في الدين : نقل العلامة ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين"، ثم تلا قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }[44][45] ، وقرأ الإمام سفيان بن عيينة الآية فقال: "أخذوا برأس الأمر فجعلهم رؤساء".
ط - الثناء عليهم بأنهم أهل العزائم والرجولة : { وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }[46] ، { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }[47] ، في وصية لقمان لابنه: { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }[48] ، وفي هذا قيل: الصبر مر، لا يتجرعه إلا حر.
ي - حفظهم من كيد الأعداء : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }[49] .
ك - استحقاقهم دخول الجنة، وتسليم الملائكة عليهم : قال تعالى: { وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً }[50] ، { أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً }[51] ، { وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }[52] .



رابعا - ما يعين على الصبر :
ومع مشقة الصبر، وصعوبته على النفس، أشار القرآن الكريم إلى جملة أمور تعين على الصبر، وتهونه على النفس، منها:
1 ـ المعرفة بطبيعة الحياة الدنيا :
فأقرب ما يعين الإنسان على الصبر وخاصة على النوائب والشدائد - أن يصح تصوره للحياة التي يعيش فيها، ويعرفها على حقيقتها، فليست جنة نعيم، ولا دار خلود، إنما هي ابتلاء وتكليف، وخلق الإنسان فيها ليصقل ويبتلى ليعد لحياة الخلود في الدار الباقية، ومن عرف الحياة على هذا النحو لم يفاجأ بكوارثها، فالشيء من معدنه لا يستغرب.
أما من كان من الناس يتصور الحياة طريقاً مفروشة بالأزهار والرياحين، فإنه إذا نزل به شيء مهما قل وضؤل، كان أشد ما يكون على نفسه، لأنه لم يكن يتوقع شيئاً منه، والقرآن الكريم يشير إلى أن حياة الناس محفوفة بالمتاعب والمشقة، حين يقول: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ }[53] .
كما يشير إلى طبيعة الحياة ودوام تغيرها، وأنها لا تثبت على حال، فيوم لك ويوم عليك: {إ ِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }[54] .
وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : صف لنا الدنيا، فقال: "ماذا أصف لك من دار أولها بكاء، وأوسطها عناء، وآخرها فناء؟".
وما أجمل ما قال في ذلك الشاعر العربي يصف الدنيا :
جُبِلت على كَـدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُها صَفْـواً مِـنَ الآلامِ والأَكْـدَارِ!
وَمُكَـلَّفُ الأيَّـامِ ضِـدَّ طِباعِهَا مُتَطَلِّبٌّ في المـاءِ جَذْوَةَ نــارِ!
يقول العلامة ابن القيم في "زاد المعاد" في بيان علاج حر المصيبة وحزنها:
ومن علاجه : أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة، ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟ وإنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى: إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وإن سرور الدنيا أحلام نوم أو كظلٍ زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرت يوماً أساءت دهراً، وإن متعت قليلاً، منعت طويلاً، وما ملأت داراً خيرة، إلا ملأتها عبرة، ولا سرته بيوم سرور، إلا خبأت له يوم شرور.
وقال ابن مسعود: لكل فرحة ترحة، وما مُلئ بيت فرحاً إلا مُلئ ترحاً.
وقال ابن سيرين: ما كان ضحك قط، إلا كان من بعده بكاء[55].
2 ـ معرفة الإنسان نفسه :
وذلك أن يعرف الإنسان أنه مِلكٌ لله تعالى أولاً وآخراً، الله هو الذي خلقه من عدم، يقول تعالى: { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }[56] .
فإذا نزل بالمرء نازل سلبه شيئاً من عنده، فإنما استرد صاحب الملك بعض ما وهب، ولا ينبغي للمودع أو المستعير أن يسخط على المالك إذا استرد يوماً من الدهر وديعته أو عاريته، وقديماً قال لبيد:
وما المـالُ والأهلونَ إلا ودائعُ ولابُـدَّ يومـاً أن تُـردَّ الودائِـعُ
ومن ثم عَلَّم القرآن الصابرين الذين كُتب لهم البشرى والصلوات والهداية والرحمة أن يقولوا إذا أصابتهم مصيبة: { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[57] .
يقول ابن القيم[58] : وهذه الكلمة، من أبلغ علاج المصاب، وأنفعه له في عاجلته وآجلته، فإنها متضمن أصلين عظيمين، إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته.
أحدهما: أن العبد وأهله وماله مِلكٌ لله عز وجل حقيقة ، وقد جعله الله عند العبد عارية.
والثاني : أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولابد أن يخلف الدنيا وراء ظهره، ويجيء ربه فرداً، كما خلقه أول مرة، بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات. فإذا كانت هذه بدايته ونهايته، فكيف يفرح بموجود، ويأسى على مفقود؟! ففكره في مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء[59].
وأيَّد ذلك الحديث النبوي الذي يعلم المصاب أن يقول أيضاً: "إن لله ما أخذ ولله ما أعطى"[60].
وفي الصحيحين وغيرهما في قصة أم سليم مع زوجها أبي طلحة، حين مات ابن لهما، وأبو طلحة خارج، فقامت الأم إلى الصبي فغسلته، وكفنته، وحنطته (طيبته بالحنوط)، وسجت عليه ثوباً، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟ فقالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح! (تعني بالموت)، وظن هو أنه استراح بالنوم لمجيء العافية، ثم تعرضت له فأصاب منها، فلما أراد أن يخرج قالت له: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا أهل بيت عارية، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، إن العارية مُؤداةٌ إلى أهلها، فقالت: إن الله أعارنا فلاناً (وسمت ابنها) ثم أخذه منا. فاسترجع.
فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان منهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما"[61]، فقال رجل من الأنصار : فرأيت لهما (أي من ابنهما عبدالله) تسعة أولاد كلهم قد قرأوا القرآن.
3 ـ اليقين بحسن الجزاء عند الله :
فإن مما يحث الإنسان على عمل ما، ويثبته عليه، ويزيده رغبة فيه، وحرصاً عليه، أن يطمئن إلى أنه مجزيٌ عليه جزاءً مرضياً، ومن هنا وضعت الدول والمؤسسات المكافآت التشجيعية، والجوائز التقديرية للمحسنين والمتفوقين.
والقرآن يشير إلى أن الصابرين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله تعالى، وذلك حين يرجعون إليه، ويقفون بين يديه، فيعوضهم عن صبرهم أكرم العوض، ويمنحهم أعظم الأجر، وأجزل المثوبة.
ولا نجد في القرآن شيئاً ضُخِّم جزاؤه، وعُظِّم أجره، مثل الصبر. فهو يتحدث عن هذا الأجر بأسلوب المدح والتفخيم، فيقول: { نِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }[62] .
ويصرح بأن أجر الصابرين غير معدود بعدٍّ، ولا محدود بحدٍّ، ولامحسوب بمقدار، وذلك في قوله تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[63] ، قال بعض المفسرين: يغرف لهم غرفاً، ويُصب عليهم صباً.
وحدثوا: أن امرأة فتح الموصلي - وكانت من الصالحات - عثرت فانقطع ظفرها، وفي هذا من الألم ما فيه، ولكنها حمدت الله وضحكت، فقيل لها: أما تجدين الوجع؟ فقالت: إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه!



4 ـ اليقين بالفرج :
ومما يعين الإنسان على الصبر: اليقين بأن نصر الله قريب، وأن فرجه آتٍ لا ريب فيه، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسراً، وأن ما وعد الله به المؤمنين من النصر، وما وعد به المبتلين من العوض والإخلاف، لابد أن يتحقق.
إن الذي أعان يعقوب على الصبر، أَمَلُه في الله، وثقته بالمستقبل، وأن الله لن يضيع صبره وعمله، ولهذا قال بعد أَخْذِ ولده الثاني واحتجازه في مصر: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً }[64] .
وقال لبنيه: { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ }[65] .
ولا عجب أَنْ تكرر في القرآن الأمر بالصبر مقروناً بالتذكير بأن وعد الله حق، أي: لا يتخلف أبداً لأن الذي يخلف وعده، إما عاجز أو كاذب، وتعالى الله عن ذلك: { وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ المِيعَادَ }[66] ، وفيها أيضاً: { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ }[67]
ومن الوقائع الثابتة التي تدل على أن الله يعوض الصابرين خيراً مما فقدوا، ما رواه مسلم في صحيحه عن أم سلمة - أم المؤمنين - رضي الله عنها، قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبدٍ تُصيبه مصيبة فيقول: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها"، قالت: فلما توفيَّ أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيراً منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم[68].


5 ـ الاستعانة باللــه :
ومما يعين المبتلى على الصبر أن يستعين بالله تعالى، ويلجأ إلى حماه، فيشعر بمعيته سبحانه، وأنه في حمايتــه ورعايته، ومن كان في حمى ربه فلن يُضام.
وفي هذا يقول تعالى في خطاب المؤمنين: { وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }[69] .
وفي خطاب رسوله: { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا }[70]
ومن كان بمعية الله مصحوباً، وكان بعين الله ملحوظاً، فهو أهل لأن يتحمل المتاعب ويصبر على المكاره.
وإذا العَـنَايةُ لاحَظَتْـكَ عُيُونُهـا نَـمْ، فَالمخَاوِفُ كُـلُّـهُـنَّ أَمَـانُ!
واصْطَدْ بِـهَا العَنْقَاءَ، فَهِيَ حَبَائِلُ واقتدْ بها الجَـوْزَاءَ، فهي عنـــانُ!



6 ـ الاقتداء بأهل الصبر والعزائم :
ومما يُعين على الصبر:التأمل في سير الصابرين، وما لاقوه من صنوف البلاء، وألوان الشدائد.
ومن هنا حرص القرآن - المكي خاصة - على ذكر قصص الأنبياء، بل تكرار الكثير منها في العديد من سوره، تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه - وتثبيتاً لقلبه في مواجهة أعداء دعوته، وما أكثرهم وأعتاهم.
وفي هذا المعنى نقرأ في خواتيم سورة هود، وقد قص الله عليه فيها قصص عدد من إخوانه المرسلين: { وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }[71]
وفي آخر آية من سورة الأحقاف يجيء الخطاب الإلهي للرسول قائلاً: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ }[72] .
وعلى منهج القرآن سار النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه أصحابه، إذ ضرب لهم الأمثلة، بما أصاب المؤمنين من قبلهم، من ألوان البلاء وكيف غلبوه بالصبر ليكون في ذلك لهم عزاء وسلوى، وأسوة.
فعندما ذهب خباب بن الأرت، يشكو إليه ضراوة ما يلقى، من أذى وفتنة في دينه هو وإخوانه من المستضعفين، وقال: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو الله لنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "قد كان من قبلكم، يُؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد، مادون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت، فلايخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"[73].



7 ـ الإيمـان بقدر الله وسننـه :
ومما يعين المرء على الصبر إيمانه بأن قدر الله نافذ لا محالة، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف، وفي هذا يقول القرآن:
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }[74]
وإذا كانت مقادير الله نافذة، رضي الإنسان أم سخط، صبر أم جزع، فإن العاقل ينبغي أن يصبر ويرضى، حتى لا يُحـرم المثوبة، وإلا فإنه سينتهي رغماً عنه إلى صبر الاضطرار، الذي ليس قيمة خلقية ولا دينيـة "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"[75].
ولقد عزى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه رجلاً في ابن له مات، فقال: يا أبا فلان، إنك إن صبرت نفذت فيك المقادير، ولك الأجر، وإن جزعت نفذت فيك المقادير، وعليك الوزر.
وقال الأشعث بن قيس : إن أنتَ صبرت إيماناً واحتساباً، وإلا سلوت سلو البهائم!.
وقال حكيم : العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة، ما يفعله الجاهل بعد أيام.
ومما يندرج في هذا المعنى أن يعلم أن الجزع والهلع والضيق والتبرم لا ترد ما فات، ولا تحيي ما مات، ولا تغير من قوانين الله في كونه، وسننه في خلقه { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }[76]
ولهذا قيل: الصبر حيلة من لا حيلة له، لأن الأمر إذا كان بيد غيرك، لم يكن لك إلا الصبر عليه، ولأن الشيء إذا كان لا يأتيك إلا قليلاً قليلاً، وأنت محتاج إليه، لم يكن لك إلا الصبر عليه، وإلا انقطع ذلك القليل.



8 ـ الحذر من الآفات العائقة عن الصبر :
ولابد للإنسان عامة، وللمؤمنين خاصة، ولحملة الدعوات على وجه أخص، إذا أرادوا أن يعتصموا بالصبر، أن يحذروا من الآفات النفسية، التي تعوقه وتعترض طريقه، من هذه الآفات التي أشار إليها القرآن:
1 - الاستعجال : فالنفس مولعة بحب العاجل، والإنسان عجول بطبعه حتى جعل القرآن العجل كأنه المادة التي خُلِقَ الإنسان منها: { خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ }[77]
فإذا أبطأ على الإنسان ما يريده نفد صبره، وضاق صدره، ناسياً أن لله في خلقه سنناً لا تتبدل.
ولهذا خاطب الله رسوله بقوله: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ }[78] ، أي: لا تستعجل للكفار العذاب، فإن لهم يوماً موعوداً.
ب - الغضب : فقد يستفز الغضب صاحب الدعوة، إذا ما رأى إعراض المدعوين عنه، ونفورهم من دعوته، فيدفعه الغضب إلى ما لا يليق به من اليأس منهم، أو النأي عنهم، مع أن الواجب على الداعية أن يصبر على من يدعوهم، ويعاود عرض دعوته عليهم مرة بعد مرة. وعسى أن يتفتح له قلب واحدٍ يوماً، تُشرق عليه أنوار الهداية، فيكون خيراً له مما طلعت عليه الشمس وغربت.
وفي هذا يقول الله لرسوله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }[79]
ج - شدة الحزن والضيق مما يمكـرون : فليس أشد على نفس المرء المخلص لدعوته من الإعراض عنه، والاستعصاء عليه، فضلاً عن المكر به، والإيذاء له، والافتراء عليه، والافتنان في إعناته، وفي هذا يقول الله لرسوله: { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ }[80] ، ثم يؤنسه بأنه في معيته سبحانه ورعايته فيقول: { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }[81]
د - اليأس : فهو من أعظم عوائق الصبر، فإن اليائس لا صبر له، لأن الذي يدفع الزارع إلى معاناة مشقة الزرع وسقيه وتعهده، هو أمله في الحصاد، فإذا غلب اليأس على قلبه، وأطفأ شعاع أمله، لم يبق له صبر على استمرار العمل في أرضه وزرعه، وهكذا كل عامل في ميدان عمله، وصاحب الدعوة والرسالة كذلك.
ولهذا حرص القرآن على أن يدفع الوهم عن أنفس المؤمنين فبذر الأمل في صدورهم: { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }[82] .

ما يستفاد من الموضوع
1 - الصبر هو حبس النفس على ما أُمرت به من مكابدة الطاعات .
2 - مجالات الصبر في القرآن الكريم :
أ - الصبر على بلاء الدنيا من آلام النفس ، وأسقام البدن ، وفقدان الأحبة ، وخسران المال ، وإيذاء الناس ، ومتاعب العيش ، ومفاجآت الدهر ، وهذا البلاء لا يخلو منه بر ولا فاجر ، ولا مؤمن ولا كافر.
ب - الصبر عن مشتهيات النفس وعدم الاستجابة لمتاع الحياة الدنيا وزينتها .
ج - الصبر على طاعة الله ، ويكون في ثلاثة أحوال :
- قبل العمل : وذلك بتصحيح النية والإخلاص والصبر عن شوائب الرياء .
- حالة العمل : كي لا يغفل ولا يتكاسل ، فيلازم الصبر عن دواعي الفتور إلى الفراغ .
- بعد الفراغ من العمل: الصبر عن إفشائه ، وعن النظر إليه بعين العجب .
د - الصبر على مشاق الدعوة إلى الله من إعراض الخلق عن الداعية ، ومن أذاهم بالقول أو الفعل والصبر على متطلبات العمل الدعوي والصبر على طول الطريق .
هـ - الصبر حين البأس : أى عند الحرب ، فالصبر شرط أساسي للنصر .
و - الصبر عن المعصية : وهو أن يمنع نفسه من الوقوع في المحرمات والمناهي والمخالفات .
3 - للصابرين مكانة وموضـع في أهل الإيمان وذلك لأنهم في معية الله ، ولمحبة الله لهم ، ولضمان النصرة والمدد لهم ولثناء الله عليهم بأنهم أهل العزائم والرجولة .
4 - مما يعين على الصبر أمور ، منها :
أ - أن يعرف الدنيا على حقيقتها ، فليست جنة نعيم ولا دار خلود وإنما هي دار ابتلاء .
ب - أن يعرف الإنسان أنه ملك لله ، فإذا نزل به بلاء وسلب منه شيئ فإنما استرد صاحب الملك بعض ما وهب .
ج - اليقين بالفرج وأن بعد العسر يسرا ، وأن بعد الضيق سعة .
د - الاقتداء بأهل الصبر والعزائم من خلال التأمل في سير الصابرين .
هـ - الإيمان بقدر الله وسننه وأنه نافذ لا محالة .
و - الحذر من الآفات العائقة عن الصبر من استعجال وغضب وشدة حزن ويأس
الـمــراجــع
جُمِعـت مادة الموضوع بتصرف واختصار من كتاب "الصبر في القرآن" للدكتور يوسف القرضاوي.


[1] الكهف:28.
[2] البقرة:155 - 157.
[3] الفجر:15 - 16
[4] أي : يذلوا .
[5] إحياء علوم الدين، ج1، ص 70 .
[6] المنافقون:9.
[7] التغابن:15
[8] المؤمنون:55 - 56
[9] طه:131.
[10] القصص:79.
[11] القصص:80.
[12] النور:33.
[13] النحل:126.
[14] مريم:56
[15] طه: 132
[16] إحياء علوم الدين، ج1، ص 69 .
[17] البينة:5
[18] هود:11.
[19] العنكبوت:58- 59
[20] البقرة:264
[21] متفق عليه .
[22] العصر:2 - 3
[23] لقمان:17.
[24] نوح:5 - 7.
[25] فصلت:1 - 5.
[26] آل عمران:186.
[27] البقرة:214.
[28] البقرة:177.
[29] الأنفال:45 - 47.
[30] آل عمران:15 - 17.
[31] الحج:34 - 35.
[32] الأحزاب:35.
[33] البقرة:153
[34] البقرة:153.
[35] البقرة:249.
[36] آل عمران:146.
[37] النحل:96
[38] الزمر:10
[39] متفق عليه .
[40] إحياء علوم الدين : ج4 ، ص 62 ط. دار المعرفة، بيروت.
[41] آل عمران:125
[42] الأعراف:137.
[43] رواه الخطيب البغدادي في التاريخ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6682) .
[44] السجدة:24
[45] مدارج السالكين ، ابن القيم ، 3/128 ، ط دار الحديث ، القاهرة .
[46] آل عمران:186 .
[47] الشورى:43
[48] لقمان:17
[49] آل عمران:120.
[50] الإنسان: 12 .
[51] الفرقان:75
[52] الرعد:23 - 24.
[53] البلد:4.
[54] آل عمران:140.
[55] زاد المعاد ، ابن القيم ، 3/190 ، ط مكتبة المنار .
[56] النحل:53.
[57] البقرة:156.
[58] زاد المعاد، ج3، ص 265 .
[59] زاد المعاد، 4/ 189 ، بتصرف ، ط مكتبة المنار .
[60] متفق عليه .
[61] رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم.
[62] العنكبوت:58 - 59.
[63] الزمر:10
[64] يوسف:83.
[65] يوسف:87.
[66] الزمر:20
[67] غافر:77.
[68] مسلم : 2/ 632 .
[69] الأنفال:46.
[70] الطور:48.
[71] هود:120.
[72] الأحقاف:35.
[73] البخاري ، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة: 5/ 65 .
[74] الحديد:22 - 23.
[75] رواه البخاري .
[76] فاطر:43.
[77] الأنبياء:37.
[78] الأحقاف:35
[79] القلم:48 - 50.
[80] النحل:127
[81] النحل:128.
[82] آل عمران:139 - 140.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق