الثلاثاء، 13 مارس 2012

(( القبيلة في الإسلام ))

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
(( القبيلة في الإسلام ))
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنه سيدنا ونبيّنا محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن من سنة الله تعالى وحكمته أن جعل كل مجموعة حيوانية تتعاطف فيما بينها وتتآلف ويحمي قويها ضعيفها ، ويعطف كبيرها على صغيرها ، قال تعالى{ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ..}
فالأمهات تحمل أولادها وترضعها وتحنو عليها حتى الدابة ترفع حافرها عن فلوّها – وهذا من الرحمة الواحدة التي وضعها الله في الدنيا ، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها في الأرض رحمة فيها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض وأخّر تسعاً وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة " ([1]).
وبعض الأمهات العجماوات تحمل أولادها أيضاً بعد الولادة ، وبعضها يهيؤ للأولاد المحاضن قبل الولادة وتأتي لها بما تتغذى به بعد الولادة ، قال تعالى { قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} وإذا كانت العجماوات قد أعطيت هذا الوازع الغريزي في عطف بعضها على بعض وحماية بعضها بعضاً ، فما بالك بالإنسان الذي كرمه الله بالعقل ، قال تعالى { ولقد أكرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً } ، لذلك كانت القبيلة عبر التاريخ من أهم الأمور التي يعطي لها الشخص الولاء والمحبة والدفاع ويكون معها في العسر واليسر .


وكان للعرب قبل الإسلام من ذلك التقديس للرابطة القبلية ما هو معروف ومشهور وفي ذلك يقول قائلهم:
وما أنا إلا مِن غزية إن غوَت.............. غويت وإن ترشد غزية أرشد


وقال آخر:
أخاك أخَاك إن مَن لا أخاً له.............. كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح .


فلما جاء الإسلام الذي أتى بالعدل في كل شيء أعطى القبيلة حقها من الرعاية والصلة والتضامن والتكافل.
ووردت بذلك نصوص كثيرة : منها
قوله تعالى { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند أتقاكم ..الآية }
وقوله { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ...الآية }
وقوله { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى ...الآية }
وقوله { واتقوا الله الذي تساءلوا به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ...الآية }
وقال صلى الله عليه وسلم: " خيركم خَيركُم لأهله ...الحديث " .
نِعْم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم وأعطاها من النصرة ما تستحقه وصحَّح المفهوم العربي " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " ، 

فأمر بنصر الأخ المظلوم ، وجعل نصر الظالم بكفِّه عن الظلم .
ولكنه جعل الولاء المطلق إنما يكون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، قال تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون ....الآية}
وقال أيضاً { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان...الآية }
وقال أيضاً { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدُّون من حآدّ الله ورسوله ....الآية }.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أذهب عنكم عُبيَّة الجاهلية وفخرها.....الحديث"
وقال تعالى { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ...الآية}
وقال صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخوا المسلم لا يظلمه ولا يسلمه .....الحديث"


وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وصححه النسائي وأبو يعلى وابن خزيمة عن الحارث الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من دعا بدعوة الجاهلية فإنه من جثي جهنم ، قال رجل: يا رسول وإن صام وصلى ؟ قال نعم ، فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين والمؤمنين عباد الله " .
لذلك حقق الجيل القرآني تلك التوجيهات السامقة والمعاني الرفيعة فحقَّقوا الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين وهجروا الأوطان والأولاد والأهل والعشيرة في نصرة دينهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } .


فَقتَل الابن أباه والأخ أخاه وهمَّ الأبُ فقتل ابنه فأنزل الله فيهم { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدٌّون من حآدّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } ، وقال أيضاً { هو سماكم المسلمين من قبل... الآية}
وقال تعالى { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذْ قالوا لقوهم إن برآء منكم ....الآية }


عناصر الموضوع
1- المفهوم الصحيح للقبيلة وذلك باستخدامها لنشر الإسلام ونصرته كما فعل كل من :-
أ- سعد ابن معاذ مع قومه .
ب- الطفيل بن عمرو الدوسي.
ج- استخدامها في الحصار الاقتصادي على الكفار.
د-عمير بن وهب الجمحي
2- استخدامها في التكافل الاجتماعي كصنع الأشعريين.
3 - استخدامها في الديات.
4- استخدامها في نصرة الإسلام والتنافس في الخير ، كما كان يحصل بين الأوس والخزرج .
5-استخدامها في الأمن الاجتماعي والكفالة – النقباء –
6- ذم استخدام القبلية استخداماً جاهلياً عصبياً .
* والشيطان أول داع إلى التمسك بالقبيلة بهذا المعنى .


1- مفهوم الصحيح للقبيلة:-
قال الله تعالى{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ..الآية} .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " يقول تعالى مخبراً للناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها وهما آدم وحواء وجعلهم شعوباً وهي أعم من القبائل وبعد القبائل مراتب أخرى كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك .....
فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضاً منبّها على تساويهم في البشرية { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ..الآية } ، أي ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته ، وروى الترمذي مرفوعاً: " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر " ، وقوله تعالى{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ..الآية} ، أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالاحساب.
وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم ؟ قال " أكرمهم عند الله أتقاهم " قالوا ليس عن هذا نسألك قال" فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله" قالوا ليس عن هذا نسألك قال" فعن معادن العرب تسألوني " قالوا نعم قال" فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " ، وروى مسلم مرفوعاً " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .
وروى أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله" ، وروى البزار في مسنده مرفوعاً " كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجُعلان " .
وقال صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " يا أيها الناس إن الله تعالى قد أذهب عنكم عبِيَّة الجاهلية وتعظمها بآبائها فالناس رجلان رجل برٌّ تقيّ كريم على الله تعالى ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى ، إن الله عز وجل يقول{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..الآية}([2]) .
وروى أحمد عن درة بنت أبي لهب: أن رجلاً قال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: " خير الناس أقراهم وأتقاهم لله عز وجل وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم" . ([3]).
وروى أبو داود مرفوعاً: " خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم" .
وروى أبو يعلى في مسنده: " الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ".

ومن الاستخدام الصحيح للقبيلة ما فعله كلٌ من:-
أ- (( سعد ابن معاذ رضي الله عنه ))
لما قدم مصعب بن عمير يدعوا إلى الإسلام ذهب يوماً هو وأسعد بن زرارة إلى دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر – واجتمع مصعب وأسعد في حائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، وسعد ابن معاذ ، وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه فلما سمعا به ، قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير : لا أبالك ، انطلق إلى هذين الرجلين الذيْن قد أتيا دارَيْنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارَيْنا فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ، ولا أجد عليه مقدّماً قال فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا سيّد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه ، قال مصعب: إن يجلس أكلمه ، قال: فوقف عليهما متشتّماً ، فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهّان ضعفاءنا؟ ، اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة ، فقال له مصعب: أوَ تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته ، وإن كرهت كُفّ عنك ما تكره؟ ، قال: أنصفت ، ثم ركّز حربته وجلس إليهما ، فكلمه مصعب بالإسلام ، وقرأ عليه القرآن ، فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم من إشراقه وتسهّله ، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ ، قالا له: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ، فقام فاغتسل وطهَّر ثوبيه ، وتشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين ، ثم قال لهما: إنَّ ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، وسأرسله إليكما الآن ، سعد ابن معاذ ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم ، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً ، قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيْدٌ بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ، فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلّمت الرجلين ، فو الله ما رأيت بهما بأساً ، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت ، وقد حُدّثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى سعد بن زرارة ليقتلوه ، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ، ليُخفروك قال: فقام سعد مغضباً مبادراً ، تخوّفاً للذي ذُكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يده ، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً ، ثم خرج إليهما فلما رآهما سعدٌ مطمئنين ، عرف سعدٌ أن أُسيْداً إنما أراد منه أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتّماً ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة ، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمْتَ هذا مني أتغْشنا في داريْنا بما نكره – وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عُمير : أي مصعب ، جاءك والله سيّد مَن وراءه من قومه ، إن يتبعك لا يتخلّف عنك منهم اثنان – قال: فقال مصعب: أو تقعد فتسمع ، فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قَبِلْتَه ، وإن كرهته عزَلنا عنك ما تكره؟ ، قال سعد: أنصفْت ثم ركّز الحربة وجلس ، فعرض عليه الإسلامَ ، وقرأ عليه القرآن ، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ، لإشراقه وتسهّله ؛ ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ ، قالا: تغتسل فتطهّر وتُطْهِر ثوبك ، وتشهّد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين ، ثم أخذ حربته ، فأقبل عامداً إلى نادي قومه ومعه أُسيد بن حضير .
قال: فلما رآه قومُه مقبلاً ، قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكما سعدٌ بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ ، قالوا: سيّدنا وأفضلنا رأْياً ، وأيمننا نقيبة ؛ قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله.
قالا: فو الله ما أمْسى في دار بني عبد الأشهل رجلٌ ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمةً([4]) .
ب- الطفيل بن عمرو الدوسي
والطفيل يروي لنا قصته لما قدم مكة قال قالَ لي أهل مكة: خرج فينا رجل يأتيه السحر فرق بين المرء وابنه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، فرق جماعتنا وشتت أمرنا وأنّا لا نريد أن يصيب قومك ما أصابنا وننصحك بشدة ألا تذهب إليه وألا تكلمه وألا تسمع منه.
وظلوا يلحون عليّ بذلك حتى إنه حين أردت دخول الكعبة أغلقت أذناي بقطعة من القطن حتى لا أسمع شيئاً مما يقول محمد وغدوت إلى الكعبة ذات يوم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وكانت مشيئة الله تعالى أن يصل صوته إلى سمعي فسمعته يقول كلاماً عجباً ورحت ألوم نفسي فأنا نفسي شاعر عالم أميز بين الحسن والقبيح فلأي سبب وماذا يمنعني من أن أسمع كلامه ، فإن كان ما يقول حسناً قبلت وإلا رفضت .
قال: فمكثت حتى انصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ، فقلت: يا محمد ، إن قومك قالوا لي كذا وكذا – للذي قالوا – فو الله ما برحوا يخوفنني أمرك حتى سددت أذني بكُرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعته قولاً حسناً ، فأعرض عليّ أمرك ، قال فعرض عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليّ القرآن فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه ولا أمراً أعدل منه قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق ،وقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجعٌ إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه فقال: " اللهم اجعل له آية " ، قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت: اللهم في غير وجهي إني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراق دينهم ، قال: فتحول فوقع في رأس سوطي ، قال: فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوْطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط إليهم من الثنيّة قال: حتى جئتهم فأصبحت فيهم .
قال: فلما نزلت أتاني أبي ، وكان شيخاً كبيراً ، قال فقلت: إليك عني يا أبت فلست منك ، ولست مني ، قال: ولم يا بنيّ؟ ، قال قلت: أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال: أي بني فديني دينك ، قال فقلت: فاذهب فاغتسل ، وطهر ثيابك ثم تعال حتى أعلمك ما علمت ، قال: فذهب فاغتسل وطهّر ثيابه ، قال: ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم .
قال: ثم أتتني صاحبتي ، فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني ، قالت: لمَ ؟ بأبي أنت وأمي ، قال قلت: قد فرق بيني وبينكِ الإسلام وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قالت: فديني دينك ، قال قلت: فاذهبي إلى حِنا ذي الشّرى – قال ابن هشام ويقال حمى ذي الشّرى – فتطهري منه ، وذو الشّر: صنماً لدوس .
قال قالت: بأبي أنت وأمي أتخشى على الصبيّة من ذي الشّرى شيئاً ، قال قلت: لا ، أنا ضامن لذلك ، فذهبت فاغتسلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت .
ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبطئوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقلت: يا نبي الله إنه قد غلبني على الدوس الزنا فادع الله عليهم فقال: " اللهم أهد دوساً " ، ارجع إلى قومك فادعهم وارفُق بهم ، قال: فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس ، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين " ([5])


ج- استخدامها في الحصار الاقتصادي على الكفار.
وفي ذلك قصــــة ثمامة رضي الله عنه:-
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له " ثمامة بن أثال " فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندك يا ثمامة؟ ، فقال: عندي خير: يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعمْ على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فترك حتى كان الغد ، ثم قال له ما عندك يا ثمامة؟ ، قال ما قلت لك إن تنعم تنعمْ على شاكر ، فتركه حتى كان بعد الغد ، فقال: ما عندك يا ثمامة ؟ فقال: عندي ما قلت لك.
فقال: أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، يا محمد والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين إليّ ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى ؟ ، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت ، قال: لا والله ولكن أسلمت مع محمد رسول الله ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم ([6]) .
وزاد ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم إن يحملوا إلى مكة شيئاً فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم ، فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم ، وفي قصة ثمامة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن على الأسير الكافر وتعظيم أمر العفو عن المسيء ، لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حباً في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل .
وفيه الاغتسال عند الإسلام وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب ، وإن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم شرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير ، وفيه الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام ، ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه ، وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار ، وأسر من وجد منهم والتخيير بعد ذلك في قتله أو الإبقاء عليه ([7]) .
د-عمير بن وهب الجمحي
وكان عمير هذا من شياطين قريش وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة
ولما أتى إلى المدينة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما جاء بك يا عمير )
قال :جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم -وكان ابنه قد أسر في بدر –قال فما بال السيف في عنقك .
قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئا ؟
قال: أصدقني ما الذي جئت له ؟قال ما جئت إلا لذلك ، قال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر
فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت :لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت أقتل محمدا فتحمل لك
صفوان بن أمية بدينك وعيالك علي أن تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك .
فقال عمير :أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني
للإسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القرآن وأطلقوا أسيره ، ففعلوا ، ثم قال يا رسول الله إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – وإلى الإسلام لعل الله يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم عمير رضي الله عنه مكة أقام بها يدعوا إلى الإسلام ويؤذي من خالفه أذى شديداً فأسلم على يديه أناس كثيرٌ ، ونستفيد من قصة إسلام هذا الرجل أهمية إسلام أصحاب الشخصية القوية فعمير رضي الله عنه بمجرد إسلامه تذكر ما كان يقوم به ضد الإسلام وأهله فقرر فوراً أن يكفر عن ذلك الماضي المظلم بالجد ولاجتهاد في الدعوة إلى الإسلام وبدايته بقومه قريشاً ليدخلوا في النور الذي اصطفاه الله بالدخول فيه فالأقربون أولى بالمعروف .
وليؤذي من يكره الإسلام كما كان هو يفعل بالمسلمين قبل الإسلام فرضي الله عن هذا الصحابي قوي الشخصية وعن كل الصحابة ما أحسن إسلامهم وما أعظم صدقهم وجدّهم وتضحيتهم في سبيل ما يقتنعون به.


2- استخدامها في التكافل الاجتماعي كصنع الأشعريين
قال البخاري: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حمّاد ابن أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة فهم مني وأنا منهم " ([8]).
وفي الحديث فضيلة عظيمة للاشعريين قبيلة أبي موسى وتحديث الرجل بمناقبه وجواز هبة المجهول وفضيلة الإيثار والمساواة واستحباب خلط الزاد في السفر وفي الإقامة أيضاً والله أعلم .


7- ذم استخدام القبيلة استخداماً جاهلياً عصبياً:-
والشيطان هو أول داعٍ ومحرض على التمسك بالقبيلة بهذا المعنى .
فقد روى أحمد والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطراقه فقعد بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك فعصاه وأسلم ثم قعد له بطرق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول فعصاه وهاجر ثم قعد له بطرق الجهاد وهو جهاد النفس والمال فقال: تقاتل وتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال قال: فعصاه فجاهد " ([9])
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن" ([10]" والعبّية "الكبر والنخوة
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: من نصر قومه على غير الحق وهو كالبعير الذي ردّي فهو ينزع بذنبه "([11])، وقال خطابي: ينزع بذنبه معناه أنه قد وقع في الإثم وهلك كالبعير إذا تردى في بئر فصار ينزع بذنبه ولا يقدر على خلاصه ، قال ابن مسعود: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة من أدم فذكر نحوه ، وعن واثلة بن الأسقع ، قلت يا رسول الله مالعصبية؟ ، قال : " أن تعين قومك على الظلم " ([12]).
وعن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم" ، قال أبو داود بن سويد "ضعيف" ، وعن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية " ([13]).
وعن أبي عقبة : وكان مولى من أهل فارس قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ، فضربت رجلاً من المشركين فقلت: خذها مني وأنا الغلام الفارسي ، فالتفت إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" فهلا قلت: خذها مني وأنا الغلام الأنصاري "([14]).
وأخرج مسلم مرفوعاً: " أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركهن الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالأنواء والنياحة ".
قال الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " ومن هدي القرآن للتي هي أقوم – هديه إلى أن الرابطة التي يجب أن يعتقد أنها هي التي تربط بين أفراد المجتمع ، وأن ينادى بالارتباط بها دون غيرها إنما هي دين الإسلام ، لأنه هو الذي يربط بين أفراد المجتمع حتى يصير بقوة تلك الرابطة جميع المجتمع الإسلامي كأنه جسد واحدٌ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، فربط الإسلام لك بأخيك كربط يدك بمعصمك ورجلك بساقك، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم" إن مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" .
ولذلك يكثر في القرآن إطلاق النفس وإرادة الأخ تنبيهاً على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه كقوله تعالى{ ولا تخرجون أنفسكم من دياركم..الآية } ، أي لا تخرجون إخوانكم ،وقوله تعالى { لولا إذْ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ...الآية } ، أي بإخوانهم على أصح التفسيرين ، وقوله تعالى { ولا تلمزوا أنفسكم...الآية } ، أي إخوانكم على أصح التفسيرين ،وقوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم } أي لا يأكل أحدكم مال أخيه ، إلى غير ذلك من الآيات .
ولذلك ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
ومن الآيات الدالة على أن الرابطة الحقيقية هي الدين ، وإن تلك الرابطة تتلاشى معها جميع الروابط النسبيه والعصبية لقوله تعالى { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم...الآية } ، إذ لا رابطة نسبية أقرب من رابطة الآباء والأبناء والإخوان والعشائر وقوله{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } ، وقوله تعالى { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ...الآية } .
فهذه الآيات وأمثالها تدل على أن النداء برابطة أخرى غير الإسلام كالعصبية المعروفة بالقومية لا يجوز ولا شك أنه ممنوع بإجماع المسلمين .
ومن أصرح الأدلة في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه قال باب قوله تعالى{ يقولون لئن رجعنآ إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله...الآية } ، قال جابر كنا في غزاة فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار! ، وقال المهاجري: يا للمهاجرين ! ، فسمعها رسول الله قال ما هذا فقالوا كسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعوها فإنها منتنة " ، فقول هذا الأنصاري : يا للأنصاري ، وهذا المهاجري: يا للمهاجرين ، هو النداء بالقومية العصبية بعينه .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " دعوها فإنها منتنة " ، يقتضي وجوب ترك النداء بها ، لأن قوله " دعوها" ، أمر صريح بتركها ، والأمر المطلق يقتضي الوجوب على التحقيق كما تقرر في الأصول...
واعلم أنه لا خلاف بين العلماء في منع النداء برابطة غير الإسلام كالقوميات والعصبيات النسبية ، ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يقصد من ورائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية فإن النداء بها حينئذ معناه الحقيقي أنه نداء إلى التخلي عن دين الإسلام ورفض الرابطة السماوية رفضاً باتاً......
وقد بين الله جل جلاله في محكم كتابه: أن الحكمة في جعله بني آدم شعوباً وقبائل هي التعارف فيما بينهم ، وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره ، وكل قبيلة على غيرها ، قال جل وعلا { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ..الآية } ، فاللام في قوله تعالى { لتعارفوا } لام التعليل والأصل لتتعارفوا .
فالتعارف هو العلة المشتملة على الحكمة لقوله { وجعلناكم شعوباً وقبائل...الآية } ، ونحن حين نصرح بمنع النداء بالروابط العصبية والأواصر النسبية وتقيم الأدلة على منع ذلك ، لا ننكر أن المسلم ربما انتفع بروابط نسبية لا تمت إلى الإسلام بصلة كما نفع الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب ، وقد بين الله جلا وعلا أن عطف ذلك العم الكافر على نبيه صلى الله عليه وسلم من منن الله تعالى عليه ، قال تعالى{ ألم يجدك يتيماً فآوى} ، أي آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب ، كما نفع بها شعيباً وصالح عليهما الصلاة والسلام.
والحاصل أن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة " لا إله إلا الله ".
ألا ترى أن هذه الرابطة التي تجعل المجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد ، وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضاً عطفت قلوب حملة العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الاختلاف.
قال تعالى { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به....الآية } ، فقد أشار تعالى إلى أن الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله وبين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم إنما هي الإيمان بالله جلا وعلا ، لأنه قال عن الملائكة { ويؤمنون به } فوصفهم بالإيمان ، وقال عن بني آدم في استغفار الملائكة لهم { ويستغفرون للذين آمنوا...الآية } ، فوصفهم أيضاً بالإيمان فدل ذلك على أن الرابطة بينهم هي الإيمان وهو أعظم رابطة .


وقد أجمع العلماء على أن الرجل إن مات وليس له من القرباء إلا ابن كافر أن إرثه يكون للمسلمين بإخوّة الإسلام ، ولا يكون لولده لصلبه الذي هو كافر ، والميراث دليل القرابة فدل ذلك على أن الأخوة الدينية أقرب من البنوة النسبية .


وبالجملة فلا خلاف بين المسلمين أن الرابطة التي تربط أفراد أهل الأرض بعضهم ببعض ، وتربط بين أهل الأرض والسماء هي رابطة " لا إله إلا الله ".
فلا يجوز البتة النداء برابطة غيرها ، ومن والى الكفار بالروابط النسبية محبة لهم ، ورغبة فيهم يدخل في قوله تعالى { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } ، وقوله تعالى { إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير والعلم عند الله تبارك وتعالى([15])


[1])) رواه أحمد ومسلم
[2])) رواه ابن أبي حاتم وعبد بن حميد
[3])) تفسير ابن كثير 4/ 217 – 218
[4])) روض الأنف 2/ 259 - 260
[5])) روض الأنف 2/ 168 – 170
[6])) الفتح 8/ 71- 72
([7]) الفتح 8/72
[8])) فتح الباري 5/98
[9])) رواه أحمد 3/483 - ، والنسائي 6/21 - 22
[10])) رواه أبو داود 5/339 ، والترمذي 30950
[11])) رواه أبو داود
[12])) رواه أبوداود
[13])) رواه مسلم
[14])) رواه أبوداود
[15])) أضواء البيان 3/441 -448

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق