بسم الله الرحمن الرحيم
محبة النبي صلى الله عليه وسلم: الضوابط و الأسباب و الآداب
|
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين،
أما بعد
فإن الله سبحانه وتعالى شرط على المؤمنين في الإيمان محبة رسوله حبا شديدا، وجعل ذلك أصلا من أصول عقائد المسلمين،
فقد صح عن النبي . ـ
و في أحد الحديثين زيادة ـ قال لهاف كذلك في الإيمان به محبة أنصاره، فقد صح عنه . إذا كانت ركنا من أركان الدين وشرطا من شروط الإيمان فيجب على كل إنسان أن يتعاهدها في نفسه وأن يعرفها، وأن يعرف ضوابطها وحدودها، فإن هذا النبي الأمي . في السنن بإسناد صحيح أنه قال: إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم، واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم وجعلني من بني هاشم في المحل الأسنى فأنا خيار من خيار من خيار ولا فخر، وهذا الحديث يقتضي اصطفاءه واختياره من البشر كذلك، وتنقيته من الكدر، فلذلك يشمل هذا الاختيار التنقية الجسدية والتنقية القلبية والتنقية الخلقية، فقد نقاه الله سبحانه وتعالى من كل ما يكرهه ومن كل ما لا يرتضيه، كذلك فإن اختيار الله سبحانه وتعالى له مقتض على كل من أحب الله سبحانه وتعالى أن يحب من اختاره الله سبحانه وتعالى وشرفه بهذه المكانة،
وكذلك فإن من دواعي المحبة الإنعام والإحسان، ولا شك أن النبي . أنه قال: إذا حشر الناس في الساهرة أتي بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام سبعون ألف ملك فتحيط بهم من كل جانب، وتدنو الشمس حتى تكون كالميل فوق رءوسهم، ويشتد العرق فمنهم من يصل إلى حقويه ومنهم من يصل إلى ثدييه ومنهم من يصل إلى ترقوتيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، بهم الموقف فيلجأون إلى العلماء،
فيقول العلماء ليس اليوم لنا إنما هو للأنبياء، فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيمين ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وجعلك خليفته في الأرض فاشفع لنا إلى رب إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول آدم: نفسي نفسي رب لا أسألك إلا نفسي، إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني عصيت الله فأكلت من الشجرة، ولكن اذهبوا إلى نوح فيأتونه فيقولون يا نوح أنت أبو البشر بعد آدم وأول الرسل إلى أهل الأرض فاشفع لنا إلى ربنا إما إلى جنة وإما إلى نار فيقول نوح: نفسي نفسي: رب لا أسألك إلا نفسي، إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني سألت الله ما لم يأذن لي به، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم
فيقولون: يا إبراهيم قد اصطفاك الله لخُلَّته من بين خلقه، فاشفع لنا إلى ربنا إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول إبراهيم: نفسي نفسي رب لا أسألك إلا نفسي، إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني كذبت ثلاث كذبات، ولكن اذهبوا إلى موسى، فيأتونه فيقولون: يا موسى قد اصطفاك الله برسالاته وبكلامه فاشفع لنا إلى ربنا إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول موسى: نفسي نفسي رب لا أسألك إلا نفسي، إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم يؤذن لي بها، ولكن اذهبوا إلى عيسى، فيأتونه فيقولون يا عيسى أنت كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه، فاشفع لنا إلى ربنا إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول عيسى نفسي نفسي رب لا أسألك إلا نفسي، إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني عُبِدتُّ من دون الله لا يجد أمرا يأثره إلا هذه، ولكن اذهبوا إلى محمد، فيذهبون إلى محمد .: أنا لها، فيخر ساجدا تحت العرش، وفي رواية راكعا تحت العرش، فيلهمه الله الثناء عليه بمحامد لا يحسنها ولا يحسنها أحد من أهل الدنيا، فيناديه فيقول: يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع واسأل تعطه فيشفع في الناس جميعا في مؤمنهم وكافرهم فيدخل في شفاعته الأنبياء جميعا وأتباعهم، وهذا هو المقام المحمود الذي وعده الله إياه في قوله: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا، ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وقد صح عنه .، فهو دليلها إلى الله سبحانه وتعالى، وهو معلمها الخيرَ كلَّه،
وقد صح عنه في صحيح البخاري أنه قال: ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، فلم يبق من خير إلا دلنا عليه ولا من شر إلا حذرنا منه، فهو أهل لأن يُحَبَّ من أجل إحسانه إلينا، كذلك الشفاعات الأخرى التي دون هذه وأنتم تعلمون أن الشفاعات ثمان، أعظمها الشفاعة الكبرى وهي التي ذكرناها في الخلائق جميعا من المحشر، وبعدها العرض على الله سبحانه وتعالى، ثم الشفاعة الصغرى وهي أصغر الشفاعات، وهي الشفاعة في كافر مات على الكفر ليخفف الله عنه عذابه فيوضع في ضحضاح من نار، أو أخمصاه على جَمْرَتَينِ من نار يغلي منهما دماغه، وهذا أخف أهل النار عذابا يوم القيامة، وهذه الشفاعة كذلك مختصة بسيدنا رسول الله .، وجمهور أهل السنة على أن هذا الرجل هو أبو طالب عم النبي .أنه قال: يُخرَج من النار أقوام قد اسودوا أو امتحشوا فيلقون في نهر الحيا أو الحياة شك مالك، فتنبت أجسامهم كما تنبت الحبة في حميل السيل، وهذه الشفاعة ليست مختصة بالنبي .﴿﴾﴿﴾ بل هي للأنبياء والملائكة والصالحين يُشَفِّعُهُم الله في أقوامهم،
بل قد بين النبي . أنه قال لأصحابه: «أتدرون من المفلس فيكم؟» قالو: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: «بل المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ويأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا وفي رواية وقتل هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، حتى إذا نفدت حسناته ألقي عليه من سيئاتهم ثم ألقي هو في النار هؤلاء المفلسون تنفع بعضَهم شفاعة الشافعين يوم القيامة فيشفعون في المجازاة عنهم فيجازي الله خصومهم، فيدعو العبدَ فيقول لك يا عبدي على فلان كذا وكذا، هل يرضيك عنه أن أتجاوز عن سيئاتك، هل يرضيك عنه أن أدخلك الجنة، فيرضي الله سبحانه وتعالى أقواما عن هذه الحقوق فتقعَ المسامحة، وذلك الوقت لا بد فيه من أداء الحقوق كلها حتى يُقتاد للشاة الجَمَّاءِ من الشاة القرناء، الشياه الغنم غير المكلفة يؤتى بها في مثل ذلك الموقف حتى يقتاد للشاة الجَمَّاءِ أي التي لا قرن لها من الشاة القرناء التي نطحتها في الدنيا، فضلا عن البشر المكلفين، الشفاعة السادسة الشفاعة في دخول الجنة، فإن الناس إذا وضعت الموازين بالقسط ليوم القيامة توزن أعمالهم بمقاييس الذر، وبعد ذلك يعطَى أهلُ الإيمان كُتُبَهم بأيمانهم تلقاء وجوههم ويبيض الله وجوههم، ويعطى أهل السيئات كتبهم بشمائلهم تلقاء ظهورهم ويسود الله وجوههم، بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ويعرف بعض أهل السيئات بعض أهل الإيمان كانوا يجاورونهم في الدنيا ويخالطونهم ويعرفونهم بأسمائهم وأنسابهم، فينادونهم ألم نكن معكم، قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ولاحظوا الأعذارَ التي قالوها، قالوا: بلى قد كنتم معنا في الدنيا، ولكنكم فتنتم أنفسكم وفتنة النفس إنما تكون باتباع الهوى واتباع الشهوات، وتربصتم أي بأهل الإيمان فكنتم تكيدون لهم وتتمنون لهم المصائب فلذلك قال: وتربصتم، ثم قال: وارتبتم، أي شككتم في موعود الله الذي لا بد أن يتحقق، وهذه أخرت لأنها قاصمة الظهر، وغرتكم الأماني، فكثير من أصحاب الذنوب ينسون ذنوبهم ويظنون أنها قد غفرت، فهم يودون أن يعطوا صحفا منشرة فيها الحسنات وأن يمحى عنهم السيئات، ولكن الواقع أن هذا مثل تمني اليهود الذين قالوا إن لديهم عهدا من الله ألا يعذبهم إلا أياما معدودات، والله تعالى كذب هذا العهد في سورة البقرة وبين أنه من أباطيلهم التي لا طائل من ورائها، وقالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون فلذلك قال في هؤلاء: وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وهو الموت، وغركم بالله الغرور وهو الشيطان،
فاليوم لا تؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير بعد هذا إذا نُصِب الصراط على متن جهنم يمر الناس عليه ويتفاوتون بحسب أعمالهم، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدوا، ومنهم من يزحف على مقعدته، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكردس على وجهه في نار جهنم، فإذا نجا الناجون على الصراط ووصلوا إلى باب الجنة فأول من يكسى من حرير الجنة إبراهيم عليه السلام يكسى من الدَّيْبَاجِ الأبيض،
وأول من يحرك حلْقة الباب نبينا محمد .، ثم الشفاعة السابعة هي الشفاعة في رفع منزلة بعض أهل الجنة، لأن أهل الجنة إذا دخلوها منهم من يستحق أن يكون من أصحاب اليمين، ومنهم من يستحق أن يكون من المقربين، فالمقربون في الفردوس الأعلى من الجنة التي سقفها عرش الرحمن، ولذلك قال النبي .«» لأم حارثة حين سألته عن ولدها قالت: أفي الجنة هو فأصبر أم في غير ذلك فترى ما أصنع؟ فقال: أوَ جنة هي؟ إنما هي جنان وابنك في الفردوس الأعلى منها، فأولئك الذين لا يستحقون الفردوس الأعلى من الجنة ولا يستحقون الدرجات العالية في الجنة تنفعهم شفاعة الشافعين فَتُعَلَّى منزلتهم وتُرَفَّع حتى يصلوا إلى المستوى الذي يرغبون فيه، وأهل الجنة يتراءون الغرف كما يتراءى أهل الأرض الكوكب الدُّرِّيَّ في السماء، من تباعد المنازل فيما بينهم، الشفاعة الثامنة الشفاعة بجمع الشمل للذين دخلوا الجنة من أهل الإيمان واستحق بعض ذرياتهم سواء كانوا من الآباء أو الأبناء دخولَ النار ولكنهم مع ذلك أهل إيمان فَيُشَفَّعون فيهم حتى يجتمع شملهم، وهذا من تنعيم الله لهم، فقد قال الله تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين والذرية تطلق على الآباء والأبناء، فمن إطلاقها على الآباء قول الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون فالذريات التي حملت في سفينة نوح ليست بالذراري أي الأولاد وإنما هي الآباء، وإطلاق الذرية كذلك على من دون هذا مثل قول الله تعالى: ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون هؤلاء من ذرية إبراهيم أي من أولاده، فقوله: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان هذا يشمل الآباء والأبناء،
والذرية مشتقة من الذَّر وهو صغار النمل، والمقصود بذلك الصورة التي أخرج الله عليها ذرية آدم من ظهره حين مسحه ببطن نعمان فأخرج منه ذرية فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسحه فأخرج منه ذرية أخرى، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للنار وبعمل أهل النار يعملون، فالصورة التي أخرجوا عليها إذ ذاك شبهت بالذر وهو النمل، فسمي ذلك العالم عالم الذر، وتعارفت فيه الأرواح كما صح عن النبي .، بل هي لأهل الجنة عموما فيشفعون في ذراريهم وأقاربهم حتى يجتمع شملهم ويُلْحَقُ بهم من يعرفون من ذرياتهم وأقاربهم، إن من يشفع هذه الشفاعات العظيمة لمستحق للمحبة وكذلك فإن من أسس المحبة كمال الإنسان في ذاته حتى لو لم يحسن إليك والنبي .، بكل هذا نعرف أن النبي . إنما هي باتباعه وطاعته، لكن الواقع خلاف ذلك بدليل ما ثبت عن النبي . فيجلده في الخمر، فجلده ذات يوم، فقال رجل: لعنه الله لطالما أتي به رسول الله .: لا تقل، إنه يحب الله ورسوله هذا الرجل يحب الله ورسوله وهو يشرب الخمر فيؤتى به النبي . أنه قال: ثلاث من كن فيه نال بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار، ولاحظوا أن الخصال الثلاثة إما حب وإما كره، فبذلك يعلم أن الجانب العاطفي هو الذي تذاق به حلاوة الإيمان،
فإذا تعلق الإنسان برسول الله .، لماذا؟ هذه الصفات ليست تكليفا لنا نحن، ولكنها معرفة من خلالها تتحقق المحبة، كثير من الناس يظن الآن أن قراءة الشمائل النبوية الأوصاف الخَلْقية للنبي .، فآخر حديث في الموطإ هو قول النبي .«»«» بأسمائه وأوصافه تحققت لديه هذه المحبة العاطفية القلبية ، ومن درس الفقه الذي جاء به وعمل به يحصل له الاتباع ولكن لا تحصل له المحبة المحضة، فلهذا لا بد أن يتعرف الإنسان على النبي .﴿﴾﴿﴾ كذلك مقتض لزيادة محبتهم، ومن هنا أَلَّفَ كثير من أهل العلم الكتب المعرِّفة بالنبي . وما شرفه الله به، وفي المناقب مناقب أصحابه وآل بيته وما جاء في الثناء عليهم وفي منزلتهم العالية، ومن أحسن الكتب المعرفة بالنبي .، فهو كتاب لا يستغني طالب علم عن القراءة فيه ومراجعته، وقد أدركنا أشياخنا رحمهم الله يقرءونه في هذا الشهر وهو شهر ربيع الأول الذي هو شهر نبوي في الواقع لأن النبي .وليتهذب سلوكهم وأخلاقهم مع النبي . وما يجب من توقيره واحترامه، عن مالك رحمه الله قال: لو أدركتم ما أدركت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فقد أدركت جعفر بن محمد وكان ذا دعابة فإذا ذكر عنده رسول الله . بكى حتى رحمناه وخرجنا عنه، وكان مالك لا يلبس النعلين ولا الخفين في المدينة توقيرا لرسول الله . في الطريق؟ فأمر بجلده عشرين سوطا، فقيل له: يا أبا عبد الله إنه القاضي، قال: القاضي خير من أدب، فجلده عشرين سوطا، فلما ذهب مالك إلى منزله دعاه فرحمه وحدثه عشرين حديثا بدل كل سوط حديثا، فقال القاضي ليته جلدني مائة فحدثني مائة حديث، إنهم كانوا يحبون النبي .، لما بنى داره أراد أن يصنع لها مصراعين، فلم يصنعهما إلا بالمناصع وهي أرض على ميل من الحرم المدني، احتراما للنبي .﴿﴾ من توقيره واحترامه ما حدثنا عنه عروة بن مسعود الثقفي حين أتاه وهو بالحديبية، فجلس بين يديه يخاطبه ووجده يتوضأ فكان يمد يده إلى وجه النبي . يبتسم، فقال: ما أرى معك إلا أُشَابَةً من الناس جدير أن يفروا عنك ويتركوك، وكان أبو بكر عنده فقال له: امصص بظر اللات ويلك أنفر ونترك رسول الله . إذا مد يده إلى وجهه ضرب ظهر يده بالسيف فقال: اكفف يدك عن وجه النبي . بمكة ما كان على وجه الأرض أحد أشد إلي بغضا منه، ولو استطعت أن أضره بشيء لضررته به، ولو مت على هذا الطور لكنت إلى النار، الطور الثاني بعد أن قذف الله في قلبي الإيمان لم يبق أحد على وجه الأرض أحب إلي من رسول الله . إجلالا له وتوقيرا،
وكذلك كان عدي بن حاتم الذي كان النبي . قط، وكذلك جرير بن عبد الله البجلي الذي كان النبي . لهي أحب إلي من عمري ولوددت أن تزداد، وأول ما رأيت منه خاتم النبوة، ولو سئلت أن أصف وجهه لما استطعت أن أصفه، وكذلك الحسن بن علي سبط رسول الله .، وكذلك عدد من الصحابة كانوا يسألون إخوانهم أن يصفوا لهم النبي . سلامه، فبلغ الله نبيه .، فلما جاء النبي . والناس يحولون بينها وبين ذلك فرآها النبي .، وكذلك حال عمرو الأصيرم وهو عمرو بن ثابت بن وقش بن السكن عندما اشتدت به الجراحات يوم أحد أتاه محمود بن الربيع فسأله فقال: ما أتى بك يا عمرو هاهنا أَحَدَباً على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام أقرئ رسول الله .، وعند المصائب الجسام كذلك، بل إنهم بلغوا من محبته . دون أن يأمره بذلك، صح في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنا في ليلة ذات صِرٍّ وبرد فقال النبي . ووفقهم لخدمته فكانوا هكذا يفعلون، كذلك حال أتباعهم من بعدهم، فقد بلغوا هذا المستوى من محبة النبي . يقتضي منهم الأسفار الطويلة إلى البلاد النائية، وكان كثير منهم يقطع المسافات الشاسعة على رجليه كأحمد بن حنبل الذي لم يترك حاضرة نقل إليها حديث النبي . وأن يدفن بالبقيع، فعندما مات يحيى قال خازن الحجرة النبوية: سأخرج لكم الألواح التي غسل عليها النبي .، فأخرج لهم الألواح فغسل عليها يحيى بن معين رحمه الله، وكذلك ما كان فيمن بعدهم من شدة التعلق بأي شيء نسب إلى النبي .،
فهذه أم سلمة كما في صحيح البخاري كان لها جلجل من فضة فيه شعرات من شعر النبي . فكان يجعلها في المِغفَر على رأسه حين يقاتل العدو، وكان لمعاوية بن أبي سفيان أظافر النبي . فيه أمداد من شعير، فكان ينفق منه بقية حياة النبي .، وكذلك فالخلفاء من بني العباس حافظوا على كل ما وصل إليهم مما كان مِلكا للنبي . وبعمامة تنسب إليه وما زالت السيوف والعمامة إلى الآن في معرض إسطنبول، كانت لدى العباسيين فلما انتهت دولتهم أخذها بنو عثمان فبقيت لدى سلاطينهم، وإلى الآن ما زالت السيوف كما هي وما زال جزء من العمامة محفوظا عندهم إلى وقتنا هذا، وكذلك بعض الكتب التي كتبها النبي . عنايتهم بآثاره حتى إن المهدي بن المنصور وضع الأساطين التي أتي بها من خراسان في الحرم المكي علامة على طريق النبي . إلى الصفا ليأتم به حاج البيت وعماره أطال الله عمر المهدي أمير المؤمنين في تعظيم وتكريم وموسى وهارون وكان ذلك سنة سبع وستين ومائة مما عمل أهل الكوفة، وما زال هذا مقروءا إلى وقتنا هذا، على الأسطوانة التي تلي البيت من الأساطين الأربع، والأساطين الأخرى بقيت الكتابة عليها لكنها لم تعد مقروءة تماما كما هي لعوادي الدهر، كذلك أخذوا هذا عن أصحاب النبي . فيعدل عن السير بين شجرتين ويمر بين شجرتين أخريين أو يدور بشجرة، فيقال له لم تفعل هذا، فقال: لقد رأيت النبي . فعله، وبلغ الشأن من العناية بهذا حتى في أيام عروة بن الزبير وهو من التابعين يحدث عن غزوة من الغزوات التي غزاها النبي .وتقصيها، حتى ذهب عروة ليرى موقد النار التي أوقدت للنبي .، فحدثه بحجة الوداع بطولها،
وهذا الحديث من أطول حديث في صحيح مسلم، وهذا الحديث ذكر فيه أن جابرا حل زره الأعلى وزره الأسفل ووضع يده بين ثدييه وأدناه وقربه لمكانه من النبي . في حياته يزور بركةَ أمَّ أيمن مولاته، فلما ولي أبو بكر الخلافة قال لعمر: تعال بنا نَزُرْ أم أيمن كما كان النبي . من هذه الدنيا، قالت: أما إني لا أبكي لأني لا أعلم أنما عند الله خير لرسوله . هي بالغلو فيه ووصفه بما ليس صحيحا من الأوصاف المختلقة التي نهى عنها النبي . ولا علَّمه أحدا من أصحابه ولا وصفوه به، وكذلك اتخاذ قبره عيدا فقد حرم ذلك رسول الله .، فهو ما جاء إلا لتغيير الشرك ومسحه وطمسه من الأرض، ونحن نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وما من خير إلا أرشد إليه وما من شر إلا حذر منه، فكفانا ما جاء به النبي . ليست بالتمني ولا بالأقاويل الباطلة، وليست كذلك بالادعاء والاختلاق لما لم يأذن به الله، بل إن النبي .«» قال: من يقل علي ما لم أقل: فليتبوأ مقعده من النار وهذا الحديث أول ثلاثيات البخاري في الصحيح، فبين البخاري فيه وبين النبي . أحاديث لم يقلها هؤلاء لا يحبونه ولا يحققون هذه المحبة المنشودة، والذين يدعونه من دون الله قد خالفوا ما جاء به بالكلية، فهو ما جاء إلى لتحطيم الشرك وتهديم كل ما يدعى من دون الله وقد بذل في ذلك جهده وحققه حتى عبد الله وحده على هذه الأرض،
فكيف تجعل محبته بخلاف ما جاء به وخلاف دعوته بالكلية؟ كذلك فإن محبة النبي . وأنت لم تقرأ صحيح البخاري ولا صحيح مسلم ولا موطأ مالك ولم تطلع على شيء من أحاديث النبي . فمات صحيح البخاري على صدره يقلبه، إن كثيرا من الناس يظنون أو يزعمون أنهم يحبون رسول الله . ولا أحد من أصحابه ولا أحد من التابعين ولا عرفت في الصدر الأول من هذه الأمة، ولا عرفها الأئمة المجتهدون الذين يقتدى بهم في دين الله، وإنما هي من اختلاقات الناس بعد ذلك، فجعلت هذه بديلا عن أحاديث النبي . إلى شمائله الطاهرة، إن الشمائل معناها الخصال والأوصاف، والمقصود بها ما أثر عن النبي . من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح دليلا لحكم شرعي، وهذا هو الحديث عند الفقهاء أيضا، أما عند المحدثين فالحديث هو ما أثر عن النبي . فهو داخل في مسمى الحديث، وينبغي أن يقيد هذا التعريف بقيد لا يذكره المحدثون وهو أن يكون الواصف قد رأى النبي . لأنهم لم يروه، فلذلك ينبغي أن يكون هذا ما أثره عنه من رآه، أن يقيد التعريف بأن يكون صادرا ممن رآه .﴿﴾﴿﴾﴿﴾﴿﴾﴿﴾﴿﴾ في التوراة أنه غير فاحش ولا متفحش ولا صخاب بالأسواق، وهذه الصفات سلبية تثبت ضدها وهو اتصافه .﴿﴾ الخُلُقية في كتاب الله، ويكفي منها قول الله تعالى: وإنك لعلى خلق عظيم فهو محيط بهذه الأوصاف جامع لها، ولذلك يقول أحد علمائنا أظنه الشيخ محمدُّ بن حبيب الرحمن رحمهم الله يقول: «أبعد ثناء خالقنا تعالى** على طه ثناء للورى لا** فما أبقت على خلق عظيم** مؤكدة لمخلوق مقالا»، هذا ثناء الله الخالق، فلا يبقي ذلك لمخلوق مقالا،
وكذلك من هذه الأوصاف وصف العباس له رضي الله عنه، فقد قال له يا رسول الله، أتأذن لي أن أمتدحك، فقال: قُل،
فقال: «من قبلها طبت في الظلال وفي** مستودع حيث يخصف الورق**
ثم هبطت البلاد لا** بشر أنت ولا مضغة ولا علق
** بل نطفة تركب السفين وقد** ألجم نسرا وأهله الغرق**
وردت نار الخليل مكتتما** في صلبه أنت كيف يحترق**
ينقل من صالب إلى رحم** إذا مضى عالم بدا طبق**
حتى احتوى بيتُك المهيمن** من خندف علياء تحتها النطق**
فنحن في ذلك الضياء وفي** النور وسبل الرشاد نخترق»
قد بين العباس مسيرة النبي .، وأثنى عليه بهذا الثناء الذي هو أهل له، وقد أثنى عليه من قبل بهذه الأوصاف الخَلْقية والخُلُقية كذلك أبو طالب، في لاميته في الشعب التي قال فيها عبيدة بن الحارث بن المطلب يوم بدر، لو أن أبا طالب حي لعلم أنا أولى منه بقوله:
«ونسلمه حتى نصرع حوله** ونذهل عن أبنائنا والحلائل»
فهو هنا يشير إلى قول أبي طالب:
«وأبيض يستسقى الغمام بوجهه** ثمال اليتامى عصمة للأرامل**
يلوذ به الهلاَّكُ من آل هاشم** فهم عنده في نعمة وفواضل**
كذبتم وبيت الله نُبزَى محمدا** ولما نقاتل دونه ونناضل**
ونسلمه حتى نصرع حوله** ونذهل عن أبنائنا والحلائل»،
إن الذين وصفوه من أصحابه . فقالت: كان خلقه القرآن، هذا أبلغ وصف وأجمعه وأعظمه، خلقه القرآن كل ما أمر الله به فقد حققه في خلقه، وكل ما نهى عنه فقد اجتنبه واجتمع فيه ما رضي الله لعباده، ولهذا جعله الله إسوة صالحة لجميع الناس، هذا أجمع وصف خُلُقي للنبي . أنه كان رَبْعَة إلى الطول، أي ليس بالطويل البائن ولا بالقصير الذي تزدريه الأعين، وكان ربعة إلى الطول، وكذلك في اللون ليس بالأبيض الأمهق، ولا بالأحمر الذي تزدريه العيون، ولكنه كان أبيض مشربا، أي مشربا بحمرة، بياضه مشرب بحمرة،
ووصفوه كذلك بأن وجهه كفلقة القمر، يشبه فلقة القمر في الاستدارة، ووصفوه كذلك بأنه كان أقنى الأنف وكان أزج الحاجبين وكان أهدب الأشفار، وكان ما بين حاجبيه متصلا، وكان واسع الجبهة مستديرها، وكان كذلك . قوي الجسم، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، يسرع الرجال فيُجْهِدون أنفسهم ليلحقوه وهو لا يتكلف أي لا يتكلف في المشي، إذا مشى أسرع، وإذا الْتَفَتَ التفت ببدنه كله وذلك للوقار والسكينة، يهابه رائيه إذا رآه فجأة، وكثيرا ما يصاب برعدة عندما يراه فجأة لأول مرة لهيبته . معتدل الساقين أي ليس فيهما عوج ولا انتفاخ في مكان دون غيره، وكذلك كان دقيق المَسْرُبَة وهي الشعرات التي تنبت من الصدر إلى السرة، فهي خط مستمر، وكان كث اللحية، وكان . لا يتغير لونه في الحر ولا في البرد، في الأسفار لا يتغير لونه فلونه كما هو في الحر والبر وفي كل الأحوال،
وكذلك كان طيب الريح، فكان الناس يشمون رائحة الطيب من عرقه .، وكذلك كان .، ومن شدة تواضعه أنه كان يضطجع على حصير فيبقى أثره في ضلوعه، وكان بعد ذلك فراشه من أَدَمٍ أي من جلد أحمر حشوه من ليف، فكان إذا جاء الضيف أجلسه عليه، وكذلك كان . الصبر على أذى الناس فكان أشد الناس صبرا، وكان من خلقه . أجود الناس فما سئل شيئا قط فقال لا، إن كان عنده أعطى وإلا رد بميسور من القول، وفي حديث ابن عباس، قال: كان رسول الله . أجود بالخير من الريح المرسلة، وكذلك كان . لأصحابه: خذوا صاحبكم، فأخذوه وجهزوه وصلى عليه النبي . أنه قال: لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت، فيجيب إلى أي شيء يدعى إليه، وكذلك كان . صِلَتُه وعَفافه، فقد كان أشد الناس تعففا، وأكثرهم صِلة لذوي رحمه،
حتى إن أم سلمة ذكَّرته بذلك عندما لم يقبل من أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بيعتهما، فقالت: لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك، فلم يقبل شفاعتها فذهبا إلى علي يريدان شفاعته، فقال: إني لا أشفع لكما، ولكني أدلكما على ما هو خير من ذلك، فقالا وما هو؟ فقال: ما كان ينبغي لأحد أن يكون أحسن جوابا من رسول الله .﴿﴾﴿﴾ رحمته بالصغار والضعفة والمساكين فقد كان الصبية يأتونه فيلعبون بخاتم النبوة، وكان يصلي فأتى الحسين وأمامة فركبا على ظهره وهو ساجد فأطال السجود لهما حتى لا يزعجهما أو لا يحرجهما فلما سلم قال: نعم الجمل جملكما، وأتاه الحسن وهو يصلي فوقف إلى جنبه فحمله في قيامه، فكان إذ ركع أو سجد وضعه وإذا قام حمله، وحمل أمامة بنت أبي العاص كذلك في الصلاة، وكان من رحمته بالصبية الصغار أنه يداعبهم ويمازحهم، فقد دخل ذات يوم بيت أبي طلحة فرأى أبا عمير وهو يلعب بطير له، فقال: ما فعل النغير يا أبا عمير، وكناه بهذه الكنية وهو طفل صغير يخاطبه بأحب أسمائه إليه، وكان يفعل ذلك.
حتى مع أعدائه، فقد صح أنه حين أتاه عتبة بن ربيعة يجادله عن قريش قال له: اسمع أبا الوليد فقرأ عليه سورة فصلت حتى بلغ قول الله تعالى: فإن أعرضوا فقل أنذتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فقال: حسبك حسبك فأسكته، وكذلك كان يحسن ضياتهم فكان يحسن ضيافة اليهود وأحسن ضيافة عامر بن حين نزلا عليه على شركهما وعداوتهما لله ورسوله، وكذلك كان من خلقه مع الناس اللين والرحمة، فقد عرف بذلك بين الناس حتى إن اليهود بني قريظة حين قال لهم: يا إخوان القردة والخنازير، قالوا يا أبا القاسم ما عهدناك فحاشا، وكان من حيائه .﴿﴾
ولا يمكن أن نأتي على كلها، وقد ألفت الكتب الكثيرة فيها ولم تحتو على القدر الكافي منها، والوقت عدو لنا حين يخرجنا من شمائل النبي .، فكذلك الوقت عدو لنا حين يخرجنا من شمائل النبي (صلى الله عليه وسلم)
وصلى الله على نبيه الكريم وآله وصحبه الطيبين الطاهرين
|
الثلاثاء، 13 مارس 2012
محبة النبي صلى الله عليه وسلم: الضوابط و الأسباب و الآداب
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق