الثلاثاء، 13 مارس 2012

كيف نستقبل رمضان؟!


بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نستقبل رمضان؟!
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل الله ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
وبعد
فإنه ينبغي لكل مسلم أن يستقبل شهر الرحمات بالأمور التالية :
أولا : أن يستقبله بالفرح والسرور وذلك لما يلي:

‌أ- لأنه يورث التقوى يقول في ذلك ربنا عز وجل ( يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون )
والتقوى أعظم زاد قال تعالى ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى )

ب- والتي يحب الله أصحابها ( والله يحب المتقين )

ج- والتي وعد الله أصحابها الجنة قال تعالى ( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً ).
وقال تعالى .( إن المتقين في جنات وعيون )

د- والتي يسهل الله أمر أصحابها في الدنيا والآخرة قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا )

هـ- وتكفر ذنوبهم وتعظم أجورهم قال تعالى ( ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا )

و- ويعطي أصحابها ما يفرقون به بين الحق والباطل قال تعالى (يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا )

ز- ولا يتقبل الله إلا من أصحابها

قال تعالى ( إنما يتقبل الله من المتقين )

ألا بالصبر تلقي ما تريد...وبالتقى يلين لك الحديد
ثانيا: ولأن فيه كبتا ومراغمة لعدو الله إبليس وقد أمر الله باتخاذه عدوا قال تعالى ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) ومن نصر الله في هذه العداوة فإن الله تعالى ينصره قال تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ).
3- ولأن فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار
4- ولأن فيه تضاعف الحسنات وتكفر السيئات وتقال العثرات فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلي علي ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة "([1])
ويقال فيه ( يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر )
5- ولأن فيه انتصارا علي النفس الأمارة بالسوء
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالَ رسول الله صلي الله عليه وسلم .( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفد ت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ،وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ،ولله عتقاء من النار في كل ليلة )
رواه مسلم والترمذي
وقال صلي الله عليه وسلم (من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )
متفق عليه
ومعني احتسابا أي طلبا لوجه الله وثوابه
6- ولأن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر قال تعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر ) وفي حديث سلمان رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال( يأيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ،شهر جعل الله صيامه فريضة،وقيام ليله تطوعا ،من تقرب فيه بخصلة من الخير ،كان كمن أدي فريضة فيما سواه ،ومن أدي فريضة فيه كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه ،وهو شهر الصبر ،والصبر ثوابه الجنة ،وشهر المواساة ،وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ،من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه ،وعتق رقبته من النار ،وكان له مثل أجره ،من غير أن ينقص من أجره شيء ...وهو شهر أوله رحمة ،وأوسطه مغفرة ،وآخره عتق من النار )
رواه ابن خزيمة في صحيحه 3-191- وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف .
ثانيا أن نستقبله بالإخلاص
والذي هو إرادة وجه الله تعالى بالعمل وتصفيته من كل شوب دنيوي أو ذاتي
وقال (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )
وقال (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا )
وقال عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( وما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضي )
وقال صلي الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم ( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه .
وعن أبي كبشة الأنماري قال قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل بعلمه في ماله فينفقه في حقه ، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء ، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حق، ورجل لم يؤته الله علماً ولا مالاً فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الوزر سواء )([2]).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما يحفظ الرجل على قدر نيته. وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "([3])
وقد ترجم الإمام البخاري في كتاب الإيمان فقال: ( باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر ، ولذلك كان السلف يخافون من النفاق ويتهمون أنفسهم. ولما سألت عائشةُ رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى { والذين يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } أهم الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر وهم يخافون الله عز وجل؟
فقال: ( لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون ألاّ يُتقبّل منهم أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) ([4])
ومما يعين على الإخلاص وجود الأمور التالية:-
1- العلم الراسخ: وذلك أن يعلم علماً يقينيا أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاُ لوجهه الكريم ، وأنه تعالى يعلم السر وأخفى قال تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام { ربنا إنك تعلم ما نخفي ونعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء }
2- صحبة أهل الإخلاص: وقد مثل الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك التأثر بقوله " إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا منتنة" ، قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه......فكل قرين بالمقارن يقتدي
3- قراءة سير المخلصين: فالتعرف على هديهم وقراءة سيرهم يعين على الإخلاص وذلك للتأثر بهم فإذا لم يجدهم أحياءً ليصاحبهم فلا أقل من أن يصحبهم من خلال سيرهم وتراجمهم.
4- مجهادة النفس: قال تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا }، وقال تعالى { إن النفس لأمارة بالسوء }، فمقاومة رغباتها وتوجيه الإرادة إلى جهادها مما يعين على الإخلاص فالنفس تحب الظهور والشهرة قال الشاعر:
والنفس راغبة إذا رغبتها.....وإذا ترد إلى قليل تقنع
وقال آخر:
والنفس كالطفل إن تُهمله شب على.......حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
5- بالدعاء بأن يرزقك الله الإخلاص: وتدعو كما كان عمر يدعو" اللهم اجعل عملي كله صالحاً واجعله لوجهك خالصاً ولا تجعل لأحد فيه شيئا ".
ثالثاً: بتحقيق التوبة
وهي كما قال الجرجاني: الرجوع إلى الله بحل عقدة الإصرار عن القلب ثم القيام بكل حقوق الرب ، يقول فيها الغزالي رحمه الله: (أما بعد فإن التوبة عن الذنوب بالرجوع إلى ستار العيوب وعلام الغيوب مبدأ طريق السالكين ورأس مال الفائزين وأول أقدام المريدين ومفتاح استقامة المائلين ومطلع الاصطفاء والاجتباء للمقربين ولأبناء آدم عليه الصلاة والسلام وعلى سائر الأنبياء أجمعين ، وما أجدر الأولاد بالاقتداء بالآباء والأجداد ولقد قرع آدم سن الندم وتندم على ما سبق منه وتقدم فمن اتخذه قدوة في الذنب دون التوبة فقد زلت به القدم.... وكل عبد مصحح نسبه إما للملك أو إلى آدم أو إلى شيطان فالتائب قد أقام البرهان على صحة نسبه إلى آدم بملازمة حد الإنسان المتلافي للشر بالرجوع إلى الخير. والمصر على الطغيان مسجل على نفسه بنسب الشيطان.
- حقيقة التوبة –
وهي عبارة عن معنىً ينتظم من علم وحال وفعل والمراد بهذا العلم الإيمان واليقين ، فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق فيثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب نار الندم فيتألم القلب حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوباً عن محبوبه... فتشتعل نيران الحب في قلبه وتنبعث تلك النيران بإرادته للإنتهاض للتدارك.
فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مرتبة في الحصول ، فيطلق اسم التوبة على مجموعها ، وقد يطلق اسم التوبة على الندم لحديث " الندم توبة "([5]).
* خطورة المعاصي *
فالمعاصي للإيمان كالمأكولات المضرة للأبدان فلا تزال تجتمع في الباطن حتى تغير مزاج الأخلاط وهو لا يشعر بها إلى أن يفسد المزاج فيمرض دفعة ثم يموت دفعة فكذلك المعاصي يخاف على صاحبها من سوء الخاتمة والتوبة واجبة على الفور وفي حق الجميع([6])
وقال ابن جزئ: ( التوبة واجبة على كل مؤمن مكلف بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة وفرائضها ثلاثة:-
1- الندم على الذنب من حيث عصي به ذو الجلال لا من حيث أضر ببدن أو مال.
2- الإقلاع عن الذنب في أول أوقات الإمكان من غير تأخير ولا توان.
3- العزم على أن لا يعود إليها أبداً ومهما قضي إليه بالعود أحدث عزما مجدداً وآدابها ثلاثة:
أ‌- الاعتراف بالذنب مقرون بالانكسار.
ب‌- الإكثار من التضرع والاستغفار.
ت‌- الإكثار من الحسنات لمحو ما تقدم من السيئات ومراتبها سبعٌ وهي:-
1- فتوبة الكفار من الكفر.
2- وتوبة المخلطين من الذنوب الكبائر.
3- وتوبة العدول من الصغائر.
4- وتوبة العابدين من الفترات.
5- وتوبة السالكين من علل القلوب والآفات.
6- وتوبة أهل الورع من الشبهات.
7- وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات.
والبواعث على التوبة سبعة:-
1- خوف العقاب.
2- رجاء الثواب
3- الخجل من الحساب.
4- محبة الحبيب
5- مراقبة الرقيب القريب.
6- تعظيم المقام.
7- شكر الإنعام([7]).
قال القرطبي: فما أنعم الله على هذه الأمة نعمة بعد الإسلام هي أفضل من التوبة ([8])
وقال النووي رحمه الله وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة علي وجوب التوبة
قال الله تعالى (وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )
وعن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (يأيها الناس توبوا إلي الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة )
رواه مسلم
فيستفاد من هذا أن التوبة واجبة علي الفور من كل الذنوب ،وأنها مقبولة ما لم تطلع الشمس من مغربها
وقال ابن القيم رحمه الله
وتوبة العبد إلي الله محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها ، وتوبة منه بعدها ، فتوبته بين توبتين من ربه سابقة ولا حقة
فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما فتاب العبد ، فتاب الله عليه ثانيا قبولا وإنابة
قال الله تعالى (لقد تاب الله علي النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ماكاد يزيغ قلوب فريق منهم إلي قولهالتواب الرحيم )
ة .المدارج 1- 313ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ
ثالثا: بالعلم بحكم الصوم وأحكامه وآدابه
تـعريف الصوم :
فالصوم في اللغة :الإمساك والكف
قال الله علي لسان مريم ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما ) أي صمتا وإمساكا عن الكلام
والصوم في عرف الشرع :هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلي غروب الشمس بنية )
واعلم أخي الحبيب أن للصوم حكما كثيرة لأن الحكيم لا يفرض علينا إلا ما فيه مصالحنا الدنيوية والأخروية
وإليك أخي المسلم بعض هذه الحكم :
1- ففي الصوم نحصل علي زاد التقوى الذي هو أعظم زاد وفي ذلك يقول تعالى ( يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
ب -وفي الصوم حبس للنفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات ،وتعديل قوتها الشهوانية ، لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها ،وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع من حدتها وسورتها ، ويذكرها بحال الأكبادالجائعة من المساكين ، وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب ، ويحبس قوي الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها .
[ج - لما كان فطم النفوس عن شهواتها من أصعب الأمور وأصعبها تأخر فرضه حتى توطنت النفوس علي التوحيد والصلاة ،وألفت أوامر القرآن فنقلت إليه بالتدريج وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة وفرض أولا علي وجه التخيير بينه وبين أن يفطر
ويطعم عن كل يوم مسكينا ، ثم نقل إلي التحتيم وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا لم يطيقا الصوم ورخص للمريض والمسافر أن يفطرا ويقضيا عدة من أيام أخر
انظر تعليق حامد الفقي علي بلوغ المرام ص 13.
د -أن الصوم مدرسة تربوية لتهذيب الأخلاق وللسمو بالنفس عن شهواتها ورغباتها ،والصوم رمز للإرادة الصارمة التي لاتخضع لضعف النفس البشرية وإلحاحها ، إيثارا لما عند الله فهو جهاد ومران علي الصبر ، والتقيد بالأوامر والنواهي ، وضبط النفس ، ولذلك وصفه رسول الله صلي الله عليه وسلم للشباب عند عدم القدرة علي الزواج ،وأخبر بان له سلطانا علي الشهوة فقال ( من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) رواه البخاري
فقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الصوم بالوجاء الذي هو رض الأنثيين أو إخصاؤها في كسر الشهوة وإضعافها والسيطرة عليهاحيث يجعل صاحبه مالكا لنفسه يوجهها حسب الشرع لاحسب الشهوة فالصوم في حقيقته قوة وانتصار علي النفس وعلو لتحقيق أنفس الغايات وأنبلها.
فالصوم هو مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها ، واحتمال ضغطها وثقلها إيثار لما عند الله من الرضى والمتاع ، وهذه كلها عناصر لا زمة في إعداد النفوس لاحتمال مشقات الطريق المفروش بالعقبات والأشواك والذي تتناثر على جوانبه الرغبات والشهوات ، والذي تهتف بالسالكيه آلاف المغريات.
والصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات وإنما سمي رمضان لأنها يرمض الذنوب أن يحرقها بالأعمال الصالحة من الإرماض وهو الإحراق أو لأن القلوب تأخذ فيه حرارة الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس ، وليس الصوم ضعفا وخمولا واستكانة ،وتاريخ المسلمين حافل بالشواهد علي ذلك.
فقد كانت معظم فتوحات المسلمين وانتصاراتهم في شهر رمضان ، فمعركة بدر كانت يوم الجمعة 17رمضان عام 2هـ وفتح مكة كان في 19رمضان عام 8هـ
وفتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد كان في رمضان عام 92هـ ، وموقعة الزلاقة على الحدود البرتغالية بين جيش المرابطين في الأندلس والفرنجة كانت في رمضان عام 479هـ .
وموقعة عين جالوت في فلسطين التي انتصر فيها قطز سلطان المماليك على المغول كانت في رمضان عام 658هـ .
4- الصوم له آثار نافعة على الصحة والبدن فهو يريح المعدة وجهاز الهضم ، فإن الكف عن الطعام لساعات طويلة من حين إلى آخر يخلص المعدة مما يتكدس فيها من الشحوم والدهون ، ويخلصها من ارتباك الهضم وآلام الحرقان ويحميها من أمراض التخمة .، والإفراط في السمنة في العصر الحديث صار سببا مؤكداً لكثير من أمراض العصر المستعصية بحيث لا يختلف الناس عليها ، وأول نصائح الأطباء للمرضى هو تخفيض الوزن والتخلص من الشحوم
متى فرض الصوم ؟
فرض صوم رمضان في شهر شعبان في السنة الثانية من الهجرة ، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن صيام رمضان فرض، وأنه ركن من أركان الإسلام ، فمن أنكر وجوبه فلا يكون مسلماً ومن أقر بوجوبه ولم يصمه من غير عذر يحبس ويضرب ويعزر ويمنع من الإفطار.([9]).
وإليك أخي المسلم بعض أحكام الصيام:-
a. فالصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم.
b. الكافر لا يصوم ، ولا يجب عليه قضاء الصوم إذا أسلم.
c. الصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الصوم لكن يؤمر به ليعتاده.
d. المجنون لا يجب عليه الصوم ولا إطعام عنه وإن كان كبيراً ، ومثله المعتوه الذي لا تمييز له والكبير الذي لا تمييز له.
e. العاجز عن الصوم لسبب دائم كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه ، يطعم عن كل يوم مسكيناً.
f. المريض مرضاً طارئا ينتظر برؤه يفطر إن شق عليه الصوم ويقضي بعد برئه.
g. الحامل و المرضع إذا شق عليهما الصوم من أجل الحمل أو الرضاع أو خافتا على ولديهما تفطران وتقضيان الصوم إذا سهل عليهما وزال الخوف.
h. الحائض والنفساء لا تصومان حال الحيض والنفاس و تقضيان ما فاتهما.
i. المضطر للفطر لإنقاذ معصوم من غرق أو حريق يفطر لينقذه ويقضي.
j. المسافر إن شاء صام وإن شاء أفطر وقضى ما فاته سواء كان سفره طارئاً كسفر العمرة أم دائما كأصحاب السيارات ( التكاسي والمرسيدس) فيفطرون إن شاءوا ماداموا في غير بلدهم.
بعض مفسدات الصوم
1- الجماع
2- الأكل
3- الشرب
4- إنزال المني بشهوة
5- ما كان بمعنى الأكل والشرب وذلك كالإبر المغذية التي يستغني بها عن الأكل والشرب ، أما التي لا تتغذى فلا تفطر سواء تناولها الإنسان في الوريد أو في العضلات أو أي مكان من بدنه
6-القيء عمداً
7-الحيض والنفاس.
من سنن الصوم
1- الدعاء عند الفطر، روى أبو داود عن ابن عمر قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله "، وروى أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم يجد فتميرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء".
2- السحور، قال صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة "([10])
كيف نحصل على أسرار الصوم؟!
1- غض البصر، فمن ضيق على نفسه في البصر وسع الله عليه البصيرة.
2- حفظ اللسان، قال صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ".([11]).
3- حفظ بقية الجوارح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم ) متفق عليه .
4- أن لا تستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار وأثناءه ؛ لأن حكمة الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة لتقوى النفس على التقوى. لأن من انتصر علي شهوة البطن والفرج الذين هما أعتي شهوتين كان انتصاره علي بقية الشهوات أسهل وأولي وأحري .
5- أن يكون قلبه بعد الإفطار مضطرباً بين الخوف والرجاء.
· ثم إن رمضان في الحقيقة مدرسة عظيمة إذا أحسن المنتسبون إليها أدبهم معها خرجوا وهم بشر جدد غير الذين كانوا بالأمس فرمضان هو المدرسة التي يجدد فيها المسلم ما وَهَى من عُرى الإسلام عنده ، ويأخذ ما قصّر في أخذه من قبل ، وهو دورة يقبل فيها المسلمون على عالم جديد ، ويخلفون وراءهم عالماً آخر، عالماً ملؤه همة جديدة وروح جديد وانتعاش جديد وأمل يرتفعون به عن أن تكون الدنيا أكبر همتهم ويتذكرون فيه أن الآخرة ورضوان الله فيها هي الهدف الكبير الذي لا ينبغي أن يغيب عن قلب المسلم قال الله تعالى { والله يحب المتقين }.
· والتقوى لكي تكون لك خلقاً لا بد أن تسلك لها طريقها وأهم الطرق المؤدية إلى التقوى : الصيام والقيام والأذكار والدعاء وقراءة القرآن والإنفاق في سبيل الله والاعتكاف والصبر والاستغفار.
ولتعلم أن صيام الناس في رمضان ثلاثة أنواع : -
1- صوم العموم:وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
2- صوم الخصوص:وهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
3- صوم خصوص الخُصوص:وهو صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عن من سوى الله بالكلية.
خامساً: نستقبله بتحصيل زاد الصبر (واستعينوا بالصبر والصلاة )
((تعريف الصبر))
الصبر في اللغة :الحبس والكف . ومنه قوله تعالى ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) أي احبس نفسك معهم .
فالصبر:حبس النفس عن الجزع والتسخط . وحبس اللسان عن الشكوى . وحبس الجوارح عن التشويش
وهو ثلاثة أنواع صبر علي طاعة الله . وصبر عن معصية الله . وصبر علي امتحان الله
فالأولان صبر علي ما يتعلق بالكسب . والثالث صبر علي مالا كسب للعبد فيه
وهو أيضا صبر بالله وهو الاستعانة به ورؤيته أنه هو المصبّر وأن صبر العبد بربه لا بنفسه كما قال تعالى ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) يعني إن لم يصبرك هو لم تصبر
الثاني الصبر لله : وهو أن يكون الباعث له علي الصبر محبة الله وإرادة وجهه والتقرب إليه .
لا لإظهار قوة النفس ، والاستحماد إلي الخلق .
الثالث الصبر مع الله وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه . ومع أحكامه الدينية .صابرا نفسه معها سائرا بسيرها مقيما بإقامتها . فهذا معني كونه صابرا مع الله أي قد جعل نفسه وقفا علي أوامره ومحابه وهو أشد أنواع الصبر وأصعبها وهو صبر الصديقين .
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى :الصبر في القرآن في نحو تستعين موضعا
وهو واجب بإجماع الأمة وهو نصف الإيمان
فإن الإيمان نصفان :نصف صبر ،ونصف شكر
وهو مذكور في القرآن علي ستة عشر نوعا ...
ومن هذه الأنواع اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان كما قرنه الله سبحانه باليقين والإيمان ،وبالتقوى والتوكل . وبالشكر والعمل الصالحوالرحمة
ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ،ولا إيمان لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :خير عيش أدركناه بالصبر
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (أنه ضياء ) وقال (ومن يتصبر يصبره الله )
وفي الحديث الصحيح (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له . وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) رواه مسلم
وأمر عند ملاقاة الأعداء بالصبر . وأمر بالصبر عند المصيبة . وأخبر أنه إنما يكون عند الصدمة الأولي ) وأمر صلي الله عليه المصاب بأنفع الأمور له وهو الصبر والاحتساب . فإن ذلك يخفف
مصيبته ، ويوفر أجره . والجزع والتسخط والتشكي يزيد في المصيبة ويذهب الأجر .
وأخبر صلي الله عليه وسلم أن الصبر خير كله فقال (ما أعطي أحد عطاء خيرا له وأوسع من الصبر ) متفق عليه
والصبر مثل اسمه مر مذاقته - لكن عواقبه أحلي من العسل
وقال علي رضي الله عنه :الصبر مطية لا تكبو.
وقال أبو علي الدقاق :فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معيته فإن الله مع الصابرين .
وقال فيه صاحب المطهرة :
وحبسك النفس علي أحكام.....ربك هو الصبر ذو المقام
لعلم أن الشهوات جنة.....للنار والكره حجاب الجنة
عن المعاصي وعلي البلاء.....أو العبادة وفي النعماء
فالثاني أن لا يسخط المقادرا.....قولا وفعلا باطنا و ظاهرا
لنفسه يقول يانفس ورد.....هذا وما الله أراد لايرد
ولك فيه الأجر والغفر معا.....ولا يفيد جزع من جزعا
جميله الكتمان للمصيبة.....وعدم الميز عن الجماعة
وما إلي الطاعات منه يعزي.....منقسم إلي ثلاث أجزا
يكون قبلها ومع وبعدا.....فقبلها بعزم أن تؤدي
ومعها بحفظها لختمها.....مع صدقه وبعدها بكتمها
وفي الآلي بقيدها بالشكر.....وعدم الطغوى بها والكبر
وصرف نفسه عن الركون.....إلي سراب قاعها الممنون
ومنه مندوب كعند الصدمة.....الأولي وكتم الفقر والمصيبة
والعبد في الصبر علي البلاء.....ينحو إلي أربعة أنحاء
إذ هو إما ناظر للأجر.....فهان أو مستسلم لذكر
أنه المصور فلا شريك له.....في ملكه ما شاء فعله
أو لحباب ربه تشاغلا.....عن ابتغائه إزالة البلا
أو متلذذا به وهو أجل.....نفره قدرا وأزكاهم عمل
سادساً: باستشعار أن رمضان شهر القرآن الذي نزل فيه.
فنكثر قراءته وتدبره وحفظ حروفه وحدوده وألا نكون ممن يهجره وأن نكون ممن قامه إيمانا واحتسابا ، قد صلى الله عليه وسلم: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". متفق عليه
وهناك أسباب تيسر قيام الليل وهي أسباب ظاهرة وباطنة
فالظاهرة هي :
1- تقليل الأكل 2- عدم التعب الزائد في النهار 3- القيلولة 4- تجنب الأوزار
والباطنة هي 1 – سلامة القلب للمسلمين ، وخلوه من البدع ، وإعراضه عن فضول الدنيا .
2 – خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل
3- أن يعرف فضل قيام الليل ومزاياه الدنيوية والأخروية
4- حب الله تعالى وقوة الإيمان
قال أبو سليمان الداراني :أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم
آداب التلاوة الظاهرة والباطنة
فالآداب الظاهرة كما يلي :
1- الطهارة 2-الاستعاذة 3-سجود التلاوة 4 – طهارة الثوب والمكان
وأما الباطنة فهي : 1 – فهم عظمة الكلام 2- التعظيم للمتكلم سبحانه وتعالى واستحضار عظمته وجلاله 3- حضور القلب وترك حديث النفس 4- التدبر 5- التفهم وهو أن يستوضح عن كل آية ما يليق بها 6- التخلي عن موانع الفهم 7- التخصيص وهو أن يقدر أنهالمقصود بكل خطاب في القرآن وقصة 8- التأثر : بالخوف والرجاء والحزن .
و تلاوة القرآن حق تلاوته تكون بما يلي :
1- بأن يكون حظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل
2- وحظ العقل تفسير المعاني
3- وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار .
من أسباب فهم القرآن والانتفاع به :
1- الدعاء المستمر بأن ينفعك الله تعالى بالقرآن
2- الإخلاص والخوف من أن تكون من الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار وهم :القارئ والمنفق والمجاهد . لأنهم فعلوا ذلك ليقال كما في صحيح مسلم .
3- التوبة من التقصير في القرآن ، والندم على ذلك والسعي في المستقبل لتغيير تعاملك مع القرآن.
4- قراءة القرآن بتؤدة وتدبر والمداومة عليها.
5- الطهارة من المعاصي والمخالفات الحسية والمعنوية لأن الله تعالى يقول { لا يمسه إلا المطهرون }، قال ابن أبي جمرة: إن صاحب الطهارة هو الذي يفتح عليه في فهم القرآن قال تعالى { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق...الآية }، قال سفيان في هذه الآية: أي أحرمهم فهم القرآن.
6- معرفة غريبه ومعانيه والعلوم التي تساعد على فهم القرآن قديمة كانت أو حديثه.
7- القراءة الدائمة لتفاسيره القديمة والجديدة.
8- الدعوة إليه والقيام به لأن هذا الدين لا يفقهه القاعدون وبحسب قيامك به تفتح لك مغاليقه وكنوزه، قال تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا }،
وقال تعالى { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين...الآية }
9- استشعار النعمة العظمى في إنزال هذا القرآن وحمدها وشكرها ، قال تعالى{لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم } ، وقال تعالى {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم}، ومن مظاهر هذا الشكر التفقه في هذا القرآن والسعي بجد واجتهاد لنشره وتطبيقه على النفس والأسرة والمجتمع والأمة ، واستشعار أن من أحب القرآن فقد أحب الله تعالى . ومعرفة فضل تعلم القرآن وتعليمه والعمل به وأن الحاذق فيه يكون مع السفرة الكرام .
وفي ذلك حديث عائشة المرفوع: " الذي يقرأ القرآن وهو ما هر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران "([12]) ، وروى عمر مرفوعاً " إن الله يرفه بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين "([13]) ، وروى عثمان مرفوعاً " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "([14]) ، وعن النواس بن سمعان أن الني صلى الله عليه وسلم قال: " يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما " ([15]).
10- الخوف من الدخول في سلك الذين هجروا القرآن وهجر القرآن كما ذكر ابن القيم أنواع:-
أ‌- هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
ب‌- هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.
ت‌- هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.
ث‌- هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
ج‌- هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به وكل هذا داخل في قوله تعالى { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً }.
" التقرب إلى الله بتلاوة القرآن وتدبره وتفهمه "
قال ابن رجب رحمه الله : ( ومن أعظم ما يتقرب به إلى الله عز وجل من النوافل كثرة تلاوة كتابه وسماعه بتدبر وتفكر وتفهم ، قال خباب ابن الأرت رضي الله عنه لرجل: تقربْ إلى الله تعالى ما استطعت ، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحبُّ إليه من كلامه). و لا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم، قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ( لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم )، قال ابن مسعود: ( من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله ).
قال بعض العارفين لمريد: ( أتحفظ القرآن؟ قال: لا قال:واغوثاه بالله مريد لا يحفظ القرآن فبم يتنعم؟ فبم يناجي ربه عز وجل؟
و كان بعضهم يكثر تلاوة القرآن ، ثم اشتغل عنه بغيره فرأى في المنام قائلاً يقول له:
إذا كنت تزعم حُبى........فَلِم جفوت كتابي
أما تأملـــت مــا فيـه........من لطيف عتابي
وقال الفضيل بن عياض: ( كذب من ادعى محبتي فإذا جنّه الليل نام عيني ، أليس كل محب يجب خلوة حبيبه؟ ها أنا مطلع على أحبابي وقد مثّلوني بين أعينهم ، وخاطبوني على المشاهدة ، وكلموني بحضور ، غداً أقّرُّ أعينهم في جناتي.([16])
وورد في حديث تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدين النصيحة ثلاثاً قلنا لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم.([17])
قال ابن رجب: والنصح لكتاب الله هو شدة حبه وتعظيم قدره إذ هو كلام الخالق ، وشدة الرغبة في فهمه وشدة العناية لتدبره ، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه ويقوم به له بعد ما يفهمه.
وكذلك الناصح من العباد يتفهم وصية من ينصحه وإن ورد عليه كتاب منه عنى بفهمه ليقوم عليه بما كتب به فيه إليه ، فكذلك الناصح لكتاب ربه يعنى بفهمه ليقوم لله بما أمر به كما يحب ويرضى ثم ينشر ما فهم في العباد ويديم دراسته بالمحبة له والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه.([18]).
وقال ابن الصلاح رحمه الله : النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً .
قال ومعنى النصيحة لكتابه: الإيمان به وتعظيمه وتنزيهه وتلاوته حق تلاوته والوقوف مع أوامره ونواهيه وتفهم علومه وأمثاله وتدبر آياته ، والدعاء إليه وذب تحريف الغالبين وطعن الملحدين عنه.([19]).
سابعا: الرحمة بالمساكين والضعفاء
واستشعار أن شهر رمضان هو شهر الجود والكرم كما كانت هي سنته صلى الله عليه وسلم فقد كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في شهر رمضان .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلي الله صلي الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ) متق عليه
ثامنا: الإكثار من الدعاء
وذلك لأن الدعاء من أعظم العبادات التي أمر الله تعالى بها يقول تعالى ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) وقال (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)
وقال صلي الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة ) رواه أبوداود .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال (ما علي الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها ،أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ) فقال رجل من القوم إذا نكثر قال الله أكثر )رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد وزاد فيه ( أو يدخر له من الأجر مثلها ) .
وليكثر من الدعاء ولا سيما عند الإفطار فللصائم دعوة لا ترد عند الإفطار،فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر"([20]).
تاسعاً:استقباله بخطة عملية
وذلك باستغلال وقته أحسن استغلال وبالعزم والتصميم على التخرج من مدرسته بأفضل زاد.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يجتهد في رمضان مالا يجتهد في غيره وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيره )رواه مسلم .
عاشراً: بالجود على النفس بالإكثار من الأعمال الصالحة والضرب في كل غنيمة بسهم وأن تكون من أصحاب العبادات المطلقة.
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه ،،،،
[1])) رواه الترمذي 5/ 550
[2])) رواه الترمذي وصححه أحمد وابن ماجة.
[3])) رواه مسلم
[4])) رواه الترمذي وأحمد
[5])) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصحح إسناده
[6])) الأحياء 4/ 144 – 163
[7])) التسهيل 3/ 65
[8])) تفسير القرطبي 1/ 402
[9]) ) انظر مدونة الفقه المالكي 1/ 599 - 612
[10])) رواه البخاري ومسلم
[11])) رواه البخاري
[12])) رواه مسلم
[13])) رواه مسلم
[14])) رواه البخاري
[15])) رواه مسلم
[16])) جامع العلوم ص 680- 683.
[17])) رواه مسلم
[18])) نفسه ص 153
[19])) نفسه ص 154
[20])) رواه أحمد وصححه الألباني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق