الجمعة، 30 مارس 2012

* منـزلة الشكر *

صلى الله على نبيه الكريم
* منـزلة الشكر *
وهي من أعلى المنازل وهي فوق منزلة الرضى وزيادة ، فالرضى مندرج في الشكر إذ يستحيل وجود الشكر بدونه.
وهو نصف الإيمان فالإيمان نصفان: نصف شكر ، ونصف صبر .
وقد أمر الله به ، ونهى عن ضده ، وأثنى على أهله ووصف به خواص خلقه وجعله غاية خلقه وأمره ، ووعد أهله بأحسن جزائه ، وجعله سبباً للمزيد من فضله ، وحارساً وحافظاً لنعمته ، وأخبر أن أهله المنتفعون بآياته ، واشتق لهم اسما من أسمائه فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره ، بل يعيد الشاكر مشكوراً ، وهو غاية الرب من عبده ،وأهله هم القليل من عباده .

قال الله تعالى { واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون } ، وقال أيضاً { واشكروا لي ولا تكفرون } ، وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم { إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم من المشركين ، شاكراً لأنعمه..الآية} ، وقال عن نوح عليه السلام { إنه كان عبداً شكوراً } ، وقال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } ، وقال تعالى { واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون } ، وقال تعالى { وسيجزي الله الشاكرين } ، وقال تعالى { وإذْ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } ، وقال تعالى { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } ، وسمى نفسه " شاكر " ، "وشكور " وسمى الشاكرين بهذين الأسمين فأعطاهم من وصفه وسماهم الله باسمه ، وحسبك هذا محبة للشاكرين وفضلاً ، وإعادته للشاكر مشكوراً ، كقوله { إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً } ، ورضى الرب عن عبده به كقوله { وإن تشكروا يرضه لكم } – وقلة أهله في العالمين تدل على أنهم هم خواصه كقوله { وقليل من عبادي الشكور } .

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه قام حتى تورمت قدماه ، فقيل له : تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ ، فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً ".
وقال لمعاذ " والله يا معاذ إني أحبك فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ".

وفي المسند والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعوا بهؤلاء الكلمات " اللهم أعني ولا تعن عليّ وانصرني ولا تنصر عليّ وامكر لي ولا تمكر بي، واهدني ويسر الهدى لي ، وانصرني على من بغى عليّ ، رب اجعلني لك شكاراً ، لك ذكاراً ، لك رهاباً ، لك مُطواعاً لك ، لك مخبتاً ، إليك أوّاهاً منيباً ، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبّت حجتي ، واهد قلبي ، وسدّد لساني ، واسلل سخيمة صدري " .

وأصل الشكر في وضع اللسان : ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهوراً بيّناً ، ودابة شكور: إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تأكل وتعطي من العلف .
وفي صحيح مسلم " حتى إن الدواب لتَشْكَر من لحومهم " أي لتسمن .
وكذلك حقيقته في العبودية ،وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً ، وعلى قلبه شهوداً ومحبة ، وعلى جوارحه انقياداً وطاعةً .

والشكر مبني على خمس قواعد:-
1- خضوع الشاكر للمشكور.
2- حبه له .
3- اعترافه بنعمته .
4- ثناؤه عليه بها .
5- أن لا يستعملها فيما يكره .
وقال أبو عثمان: الشكر معرفة العجز عن الشكر .
إذا كان شكري نعمة الله نعمة............عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله..............وإن طالت الأيام واتسع العمر
إذا مس بالسراء عم سرورها.............وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلا له فيه منـة.............تضيق لها الأفهام والبر والبحر
لك الحمد مولانا على كل نعمة..........ومن جملة النعماء قولي لك الحمد
فلا حمد إلا أن تمن بنعمــة.............تعاليت لا يقوي على شكرك العبد

والشكر قيد النعم الموجودة ، وصيد النعم المفقودة ، وشكر العامة على المطعم والمشرب والملبس وقوت البدن ، وشكر الخاصة: على التوحيد والإيمان وقوت القلوب .
وقال داوود عليه السلام: كيف أشكرك؟ ، وشكري لك نعمة عليّ من عندك تستوجب بها شكراً ، فقال: الآن شكرتني يا داوود .
والشكر معه المزيد أبداً لقوله تعالى{ وإذْ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ..الآية} ، فمتى لم ترحا لك في مزيد فاستقبل الشكر.
وفي أثر إلهي يقول الله عز وجل : أهل ذكري أهل مجالستي ، وأهل شكري أهل زيادتي ، وأهل طاعتي أهل كرامتي ، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم ،وإن لم يتوبوا

فانا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب )([1])
وقيل من كتم النعمة فقد كفرها ،ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها وهذا مأخوذ من قوله صلي الله عليه وسلم ( إن الله إذا أنعم علي عبد بنعمة أحب أن يري أثر نعمته علي عبده )
وفي الحديث: " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبدٌ لا يحمده "([2])

والتحدث بالنعمة نوعان :
1- أن يذكر النعمة ويخبر بها
2- الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته ، وتعليم الأمة ، وهذا غاية الكرم الذي لا كرم فوقه ،يُنعم عليك ثم يوزعك شكر النعمة ، ويرضى عنك ، ثم يعيد إليك منفعة شكرك ويجعله سببا لتوالي نعمه واتصالها إليك والزيادة على ذلك منها.



- أنواع الشكر –
1- الشكر باللسان وهو الثناء على المنعم والتحدث بالنعم.
2- الشكر بالجوارح وهو العمل بطاعة الله وترك معاصيه.
3- الشكر بالقلب وهو معرفة مقدارا النعمة والعلم بأنها من الله وحده والعلم بأنها تفضل لا باستحقاق والنعمة التي يجب الشكر عليها لا تحصى ، قال تعالى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور الرحيم }، ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام:-
أ‌- نعم دنيوية كالعافية المال.
ب‌- نعم دينية كالعلم والتقوى.
ت‌- نعم أخروية : وهي جزاءه بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير ، والناس في الشكر على مقامين:
1- ( من هم من يشكر الله على النعم الواصلة إليه خاصة.
2- ( ومنهم من يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم.

- الشكر على ثلاث درجات-
1- فدرجة العوام الشكر على النعم.
2- ودرجة الخواص على النعم والنقم وعلى كل حال.
3- ودرجة خواص الخواص أن يغيب عن النعمة بمشاهدة المنعم تعالى،

- شكر الجوارح-
قال رجل لأبي حازم: ( ما شكر العينين؟) قال: ( إن رأيت بهما خيراً أعلنته وإن رأيت بهما شراً سترته)، (قال ما شكر الأذنين؟)، قال: (إن سمعت بهما خيراً وعيته وإن سمعت بهما شراً أخفيته)، (قال فما شكر اليدين؟)، قال: ( لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقاً لله هو فيهما)
(قال فما شكر البطن؟)، قال: ( أن يكون أسفله طعاماً وأعلاه علماً) ، (قال فما شكر الفَرج )، قال: ( قال تعالى { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}، (قال فما شكر الرجلين؟) ، قال: ( قال إن رأيت غبطة استعملت بهما عمله وإن رأيت ميتا مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله تعالى.
وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر.


- حقيقة الشكر-
وهو ينتظم من علم وحال وعمل.
فالعلم معرفة النعمة من المنعم – والحال هو الفرح الحاصل بإنعامه – والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه ، ويتعلق ذلك العمل بالقلب والجوارح واللسان.
وأما القلب: فقصد الخير وإضماره لكافة الخلق.
وأما اللسان: فإظهار الشكر لله تعالى بالتحميدات الدالة عليه.
وأما الجوارح: فاستعمال نعم الله تعالى في طاعته والتوقي من الاستعانة بها على معصيته ، فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة اليد.
ومن نظر إلى محرم فقد كفر نعمة العين ، إذ خلقت ليبصر بها ما ينفعه في دنياه وآخرته ، ويتق بها ما يضر فيهما.


وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
والحمد للـــــــــــــه رب العالمين


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، 

هناك تعليق واحد: