الجمعة، 30 مارس 2012

الخوف والرجاء

بسم الله الرحمن الرحيم
الخوف والرجاء
توطئة
الخوف والرجاء مصدران من خاف ورجا وهما متلازمان في كتب التربية والرقائق ومتلازمان ضمنا في الكتاب والسنة .
إن علم الله بحقيقة هذا الإنسان يقتضي وضع العلاج المناسب لهذه النفس الكنودة فالرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود , ومطيتان بهما تقطع من طرق الآخرة كل عقبة كئود فلا يقود إلى قرب الرحمن إلا أزمة الرجاء ولا يصد عن نار الجحيم إلا سياط الخوف غير أنه لا بد من ذكر الفرق بين الرجاء والتمني . فقد شبه الله القلوب بالأرض والإيمان بالمطر فمن طلب أرضا طيبة وألقى فيها بذرا جيدا ثم أمده بما يحتاج إليه من ماء ثم اقتلع عنه الطفيليات ثم جلس منتظرا فضل الله في دفع الآفات والصواعق إلى أن يتم الزرع ويبلغ غايته سمي انتظاره رجاء . وإن بث البذر في أرض صلبة سبخة لم تعهد البذر سمي انتظاره حماقة


وإن بث البذر في أرض طيبة لكن ليس بها ماء سمي انتظاره تمنيا حيث لم يأخذ بالأسباب .
إذا فاسم الرجاء إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جيمع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد ولم يبق إلا الخارج عن اختياره . فالعبد إذا بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات وطهر القلب عن شوك الأخلاق الرديئة وانتظر تثبيت الله له على ذلك إلى الموت كان انتظاره رجاء حقيقيا فقدم ما تملك واسأل الله ما لا تملك
واسمع معي إلى رجاء المؤمنين الصحيح بعدما يقدمون الأسباب قال تعالى { إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله } أي يستحقون رجاء رحمة الله وقال تعالى { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور }
فابحث عن المسالك الصحيحة واخش وعورة الطريق :


ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها...... إن السفينة لا تجري على اليبس




تعريف الخوف والرجاء 



الخوف هو : احتراق القلب وتألمه بسبب توقع مكروه ويكون على حسب المعرفة بالله { إنما يخش الله من عباده العلماء } وقول النبي صلى الله عليه وسلم [ أنا أخوفكم لله ] والخوف وصف محمود امتدح الله به بعض عباده { وهدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} { رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه }
وأما الرجاء فهو انتظار المحبوب بعد تهيئة الأسباب الشرعية له 



مكانتهما:
قديما قال أهل التربية : الخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر فكلما قوي أحدهما على حساب الآخر اختلت المعادلة فبقوة الخوف قوة زائدة يقنط الإنسان وييأس من روح الله والله تعالى يقول { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } ويقول { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }
وبقوة جانب الرجاء يؤمن مكر الله ويتراخى في العمل وسمع معي حديث مالك بن أنس المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم [ ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار ] قال معاذ يا رسول الله أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا قال [ إذا يتكلوا]



الخوف والرجاء الثنائبة المتلازمة في القرآن
وحتى يبقى الإنسان متوازي الجناحين ركز القرآن على ثنائية الوعد والوعيد ليقود الإنسان بزمام الترغيب ويسوقه بسوط الترهيب , ليلاطفه بأسلوب الوعد ويصك سمعه بوقع الوعيد فإذا سمع قول الله تعالى { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } طمع بعفو الله ورحمته وتذكر أنه لا أحد يحول بينه وبينها إذ هو داخل في العباد وذنبه داخل في { جميعا}
وإذا سمع قول الله تعالى { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه اليم شديد } لم يأمن رياحا مرسلة ولا نوءا قادما خشية أن يكون أداة أخذ من الله .
وبهذه الثنائية يبقى الإنسان بين أزمة رجاء يفكر كيف ينال هذا الجزاء ويتعرض لهذه النفحات دون أن يتكل ويسترخي , وبين سياط التخويف يفكر كيف ينجو من بطش شديد وبطشة كبرى كيف يهرب قبل اللحاق به
من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل[ ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ] البخاري
على هذه الثنائية ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبه فمطرهم بوابل صيب من التخويف لعل قلوبهم تقشعر وجلودهم تلين إلى ذكر الله [ والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ] متفق عليه
فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين : وهو البكاء بدون صوت . ويقول صلى الله عليه وسلم [ يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم ] متفق عليه
فإذ أشفق عليه وخاف رهبانية ما كتبت على الأولين فتح لهم صفحة رجاء وقوى فيهم جانب الأمل . [ والله لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم ] الحديث [ ... عبدي عمل ذنبا وعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت له ....]
[ والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم لله أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ] متفق عليه [ سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن ينجو منكم أحد بعمله ] قالوا ولا أنت يا رسول الله قال [ ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ] .
وفي الحديث الرباني [ ومن تقرب مني شيرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ] مسلم
[ أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ ] قلنا لا والله فقال [ الله أرحم بعباده من هذه بولدها ] متفق عليه



نماذج من خوف الصالحين
وإليك نماذج من خوف الصالحين ولنبدأ بصفوة الصفوة وهم الأنبياء فقال الله عنهم { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين }
وقال عن موسى وهارون وإسماعيل وإدريس { إذا تتلى عليه آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا }
وقال عن الملائكة المدعوين من دون الله { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه }
وأقسم النبي صلى الله عليه وسلم على تفوقه في الخشية [والله إني لأخشاكم لله .
وكان لصدره صلى الله عليه وسلم أزيز كأزيز مرجل يغلي من خشية الله وكان إذا أقبل النوء تقول عائشة رضي الله عنها يكثر من الدخول والخروج ولا يستقر حتى يبدأ المطر فيتلقاه قائلا [إنها قريبة عهد بربي ] وكان الصديق رضي الله عنه يقول " والله لوأدخلت إحدى قدمي الجنة وبقيت إحداهما لما أمنت مكر الله وكان الفاروق يقول " ليتني نجوت كفافا لا لي ولا علي ليتني لم تلدني أمي وكان أبو هريرة رضي الله عنه يبكي عند موته فسئل فقال أبكي لطول السفر ولقلة الزاد وكان عمر ابن عبد العزيز يبكي فسئل فقال إن أمامنا عقبة كئودا لا يجاوزها إلا مضمر البطن "
فوائد الخوف
قال أبو حفص عمر بن مسلمة الحداد النيسابوري الخوف سراج القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر وكل أحد إذا خفت منه هربت عنه إلا الله عز وجل فإنك إذا خفته هربت إليه
قال أبو سليمان ما فارق الخوف قلبا إلا خرب قال إبراهيم بن سفيان إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشبهات منها وطرد الدنيا عنها قال ذو النون " الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف فإذا زال الخوف ضلوا الطريق .
 
 
 
 
 
 
وصلى الله على نبيه الكريم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق