الجمعة، 6 يناير 2017

(حرمة الصحابة رضي الله عنهم )

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين
(حرمة الصحابة رضي الله عنهم )
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه  ،ونستغفره  ،ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومم يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله .
وبعد :فإن اعتقاد فضل الصحابة وحبهم ،وتوقيرهم  والذب عنهم من أهم ما ينبغي للمسلم الاعتناء به ،والتحقق والتخلق به لأنهم كما وصفهم ابن مسعود رضي الله عنه :
أبر هذه الأمة قلوبا ،وأعمقها علما ،وأقلها تكلفا ،وأقومها هديا ،وأحسنها حالا اختارهم الله لصحبة نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم – وإقامة دينه .
فحبهم سنة ، والدعاء لهم قربة  ،والاقتداء بهم وسيلة ،والأخذ بآثارهم فضيلة .
انظر الاستيعاب 1/1 ،وتفسير القرطبي 1/60
وقال ابن مسعود أيضا : إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ،ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه . رواه أحمد 1/379 ،والطيالسي (246) بإسناد حسن .
وسألقي الضوء على النقاط التالية :
-فضائل الصحابة مع تعريف الصحابي
- النهي عن سبهم  وتحريمه
- إثبات عدالتهم  وتوجيه ما جرى بينهم  
- ترجمة مختصرة لمعاوية رضي الله عنه الذي هو ستر لجناب الصحابة
  فضائل الصحابة رضي الله عنهم
قال البخاري رحمه الله في صحيحه :
باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ،ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه  ، ثم ساق بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون لهم نعم فيفتح لهم ،ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون نعم فيفتح لهم ))
قال ابن حجر : والذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأما من اتفق له الذب عنه ،والسبق إليه بالهجرة ،أو النصرة وضبط الشرع المتلقى عنه ،وتبليغه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده ؛لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده ،فظهر فضلهم ،ومحصل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة كما تقدم فإن جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجها على أن حديث ((للعامل منهم أجر خمسين منكم )) لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة ؛لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة ،وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل ،فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد .    الفتح 7/5
ثم ساق البخاري بسنده أيضا إلى عمران بن حصين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم .قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا  يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن  ))
قال ابن حجر :واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش حدود العشرين ومائتين ،وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا وأطلقت المعتزلة ألسنتها ،ورفعت الفلاسفة رءوسها ،وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن ،وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ،ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن ،وظهر قوله صلى الله عليه وسلم ((ثم يفشوا الكذب )) ظهورا بينا حتى يشمل الأقوال والأفعال والمعتقدات والله المستعان .
واستدل بهذا الحديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل ،وهذا محمول على الغالب والأكثرية ،فقد وجد فيمن بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه الصفات المذكورة المذمومة ،لكن بقلة   الفتح  7/5-6
وقال ابن حجر في تعريف الصحابي :هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام ولو تخللت ذلك ردة على الأصح . شرح نخبة الفكر ص 114
 قال القرطبي رحمه الله تعالى :
لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ،إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه ،وأرادوا الله عز وجل ،وهم كلهم لنا أئمة ،وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم ،وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر ؛لحرمة الصحبة ،ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم ،وأن الله غفر لهم ،وأخبرنا بالرضا عنهم ،هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض ،فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانا ،لم يكن بالقتل فيه شهيدا ،وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيرا في الواجب عليه ؛لأن الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة ،فوجب حمل أمرهم على ما بيناه .
ومما يدل على ذلك ما قد صح وانتشر من إخبار علي بأن قاتل الزبير في النار ،وقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( بشر قاتل ابن صفية بالنار ))
وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصيين ،ولا آثمين بالقتال ؛لأن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في طلحة ((شهيد )) ولم يخبر أن قاتل الزبير في النار .
وكذلك من قعد غير مخطئ في التأويل ،بل صواب أراهم الله الاجتهاد .وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم والبراءة منهم وتفسيقهم ،وإبطال فضائلهم وجهادهم ،وعظيم غنائهم في الدين رضي الله عنهم .
وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال ((تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون )) (البقرة :134)
وسئل بعضهم عنها أيضا فقال : تلك دماء قد طهر الله منها يدي ؛فلا أخضب بها لساني ،يعني في التحرز من الوقوع في خطأ ،والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبا فيه .
قال ابن فورك : ومن أصحابنا من قال :إن سبيل ما جرى بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين إخوة يوسف مع يوسف ،ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولاية والنبوة ؛فكذلك الأمر فيما جرى بين الصحابة .
وقال المحاسبي :فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها باختلافهم ،وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال :قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا ،وعلموا وجهلنا ،واجتمعوا فاتبعنا ،واختلفوا فوقفنا .
قال المحاسبي :فنحن نقول كما قال الحسن ،ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا ،ونتبع ما اجتمعوا عليه ،ونقف عندما اختلفوا فيه ،ولا نبتدع رأيا منا ،ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل ،إذ كانوا غير متهمين في الدين ،ونسأل الله التوفيق .
تفسير القرطبي :19/382 – 383
- وورد النهي عن سبهم في أحاديث كثيرة :
،منها الحديث الذي أخرجه البخاري (3673) ومسلم (2541) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تسبّوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه ))
وروى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير : كنا عند مالك بن أنس فذكروا رجلا يتنقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية ((محمد رسول الله والذين معه )) حتى بلغ ((يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار )) فقال مالك :من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية .
قال القرطبي :لقد أحسن مالك في مقالته ،وأصاب في تأويله ،فمن نقص واحدا منهم ،أو طعن عليه في روايته ،فقد رد على الله رب العالمين ،وأبطل شرائع المسلمين ،قال الله تعالى ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )) الآية . وقال ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم ...)) إلى غير ذلك من الآي التي تضمنت الثناء عليهم ،والشهادة لهم بالصدق والفلاح ؛قال الله تعالى ((رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه )) وقال ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا )) إلى قوله ((أولئك هم الصادقون )) ثم قال عز من قائل ((والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم )) إلى قوله ((فأولئك هم المفلحون ))
وهذا كله مع علمه تبارك وتعالى بحالهم ومآل أمرهم ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم )) خرجه البخاري (2652) ومسلم (2533)
وفي البزار  عن جابر مرفوعا صحيحا (( إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين ،واختار لي من أصحابي أربعة – يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعليا – فجعلهم أصحابي وقال في أصحابي كلهم خير ))  البزار في كشف الأستار (2763)
وروى عويم بن ساعدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله عز وجل اختارني واختار لي أصحابي ،فجعل لي منهم وزراء وأختانا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ))
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1000) والطبراني في الأوسط (459) والكبير 17/(349) وأخرجه ابن حجر في الأمالي المطلقة ص 70 – 71  وقال هذا حديث حسن .
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سب أصحابه فالمكذب لأصغرهم – ولا صغير فيهم – داخل في لعنة الله التي شهد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وألزمها كل من سب واحدا من أصحابه ،أو طعن عليه .
قال في المعجم الوجيز في اللغة ص 299
سبه سبا شتمه ،وسابه مساببة وسبابا :شاتمه .  
وقال القاضي عياض :
وسب آل بيته وأزواجه وأصحابه صلى الله عليه وسلم وتنقصهم حرام ملعون فاعله .
فعن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ))  رواه الترمذي (3862)
وقد أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن سبهم وأذاهم يؤذيه ،وأذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام .
وقد اختلف العلماء في هذا فمشهور مذهب مالك في ذلك الاجتهاد والأدب الموجع .
قال مالك رحمه الله : من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قتل ،ومن شتم أصحابه أدب .
وقال أيضا : من شتم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال كانوا عل ضلالة وكفر قتل ،وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالا شديدا  .
الشفا للقاضي عياض  2/253  
وقال صلى الله عليه وسلم ((إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا ))
رواه الطبراني في الكبير 2/78  ،وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 34
قال المناوي ((إذا ذكر أصحابي ))بما شجر بينهم من الحروب والمنازعات ((فأمسكوا )) وجوبا عن الطعن فيهم والخوض في ذكرهم بما لا يليق فإنهم خير الأمة والقرون لما جرى بينهم محامل .
 فيض القدير 1/571
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره .
روا أحمد في الفضائل 1/57 وابن ماجه (162 )
وقال أحمد رحمه الله تعالى :إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام
وقال أيضا : لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه ،وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع .
الصارم المسلول 3/1057- 1058
وجاء رجل إلى عبد الله بن المبارك وسأله :أمعاوية أفضل أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز .
ذكره ابن عساكر 59/208
وجاء رجل إلى أبي زرعة الرازي :فقال يا أبا زرعة أنا أبغض معاوية  قال لم ؟ قال لأنه قاتل عليا .فقال أبو زرعة :إن رب معاوية رب رحيم وخصم معاوية خصم كريم فما دخولك أنت بينهما رضي الله عنهم أجمعين . 
ذكره ابن عساكر 59/141
           عدالة الصحابة
للصحابة رضي الله عنهم أجمعين خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم ،وذلك أمر مسلم به عند كافة العلماء ؛لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الشرع من الكتاب والسنة ،وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة
قال ابن الصلاح رحمه الله :ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ،ومن لا بس الفتن منهم كذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع إحسانا للظن بهم ،ونظرا لما تمهد لهم من المآثر ،وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة .
التقريب ص 214
وقال الخطيب البغدادي مبوبا على عدالتهم :
ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة ،وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ،وإنما يجب فيمن دونهم كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ،ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ،وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن ،والأخبار في هذا المعنى تتسع ،وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن ،وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة ،والقطع على تعديلهم ونزاهتهم ،فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم ،المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له .
الحديث والمحدثون ص 129 – 130
قال أبو زرعة الرازي : إذا رأيت الرجل يتنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ،وذلك أن الرسول حق ،والقرآن حق ،وما جاء به حق ،وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة ،وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة فالجرح بهم أولى .    
قال القرطبي رحمه الله :
فالصحابة كلهم عدول ،أولياء الله تعالى وأصفياؤه ،وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله ،هذا مذهب أهل السنة ،والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة .
وذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم ،فيلزم البحث عن عدالتهم ،ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة الأمر فقال :إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك ،ثم تغيرت بهم ،فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء فلا بد من البحث .
وهذا مردود ؛فإن خيار الصحابة وفضلاءهم كعلي وطلحة والزبير وغيرهم رضي الله عنهم ممن أثنى الله عليهم وزكاهم ،ورضي عنهم وأرضاهم ،ووعدهم الجنة بقوله تعالى (( مغفرة وأجرا عظيما ))
وخاصة العشرة المقطوع لهم بالجنة بإخبار الرسول هم القدوة مع علمهم بكثير من الفتن والأمور الجارية عليهم بعد نبيهم بإخباره لهم بذلك .
وذلك غير مسقط من مرتبتهم وفضلهم ،إذ كانت تلك الأمور مبنية على الاجتهاد ،وكل مجتهد مصيب .
تفسير القرطبي 19/350 – 351 .
وقال النووي رحمه الله :
الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به .
تدريب الراوي 2/214
وقال أبو الحسن شارح رسالة ابن أبي زيد القيرواني :
يجب على كل مسلم أن يتأول ما نقل عنهم نقلا صحيحا مما وقع منهم من قتال وخلاف أحسن التأويل ،فيؤول ما وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما أن عليا رضي الله عنه طلب انعقاد البيعة أولا  إذ لا تقام الحدود ولا يستقيم أمر الناس إلا بالإمام ،وطلب معاوية رضي الله عنه القصاص من الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه فوقع ما وقع ،ولكن اتفق أهل الحق أن عليا رضي الله عنه اجتهد وأصاب فله أجران ،وأن معاوية رضي الله عنه اجتهد وأخطأ فله أجر واحد .
شرح الرسالة لأبي الحسن 1/104- 105
وقال ناظم الرسالة 
ولا يجوز ذكر شخص مقتني   - صحبته إلا بذكر حسن   
ويجب الإمساك عما شجرا    - بينهم فهم أحق أن يرى
أحسن مخرج لهم وأن يظن  - أحسن مذهب بهم فهو الحسن
وقال سعد التفتزاني :
يجب تعظيم الصحابة والكف عن مطاعنهم ،وحمل ما يوجب بظاهره الطعن فيهم على محامل وتأويلات ...
وللروافض سيما الغلاة منهم مبالغات في بغض البعض من الصحابة – رضي الله عنهم – والطعن فيهم بناء على حكايات وافتراآت لم تكن في القرن الثاني والثالث ،فإياك والإصغاء لها ،فإنها تضل الأحداث ،وتحير الأوساط ،وإن كانت لا تؤثر فيمن له استقامة على الصراط المستقيم ،وكفاك شاهدا على ما ذكرنا أنها لم تكن ي القرون السالفة ولا فيما بين العترة الطاهرة ،بل ثناؤهم على عظماء الصحابة وعلماء السنة والجماعة ،المهديين من خلفاء الدين مشهور وفي خطبهم ورسائلهم وأشعارهم ومدائحهم مذكور .
المقاصد للتفتزاني 5/303 – 304
وقال النووي رحمه الله تعالى :
واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام :قسم ظهر له بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف ،وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه فعلوا ذلك ،ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة الإمام العدل في قتل البغاة.
وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر ، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.
وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيّروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين ، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم ؛ لأنه لا يحل الإِقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ، ولو ظهر لهؤلاء رُجْحان أحد الطرفين وأن الحق معه لما جاز لهم التَّأخُّر في نصرته في قتال البُغاة عليه.
فكلهم معذورون – رضي الله عنهم – ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتدّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين     
وقوله تعالى ((وعد الله الذين آمنوا )) أي وعد الله هؤلاء الذين مع محمد صلى الله عليه وسلم وهم المؤمنون الذين أعمالهم صالحة ((مغفرة وأجرا عظيما )) أي ثوابا لا ينقطع ،وهو الجنة .
وليست ((من )) في قوله ((منهم )) مبعضة لقوم من الصحابة دون قوم ولكنها عامة مجنّسة ،مثل قوله تعالى ((فاجتنبوا الرجس من الأوثان )) لا يقصد للتبعيض ،لكنه يذهب إلى الجنس ،أي فاجتنبوا الرجس من جنس الأوثان ،إذ كان الرجس يقع من أجناس شتى ؛منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب ،فأدخل من يفيد بها الجنس ،وكذا  ((منهم )) أي من هذا الجنس يعني جنس الصحابة . ...
وشاهد هذا من القرآن ((وننزل من القرآن ما هو شفاء )) معناه : وننزل القرآن شفاء ؛لأن كل حرف منه يشفي ،وليس الشفاء مختصا به بعضه دون بعض .
تفسير القرطبي 19/346

وقال ابن تيمية رحمه الله :
ويمسكون عما شجر بين الصحابة ،ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب ،ومنها ما قد زيد فيه ونقص ،وغير عن وجهه ،والصحيح منه هم فيه معذورون ؛إما مجتهدون مصيبون ،وإما مجتهدون مخطئون ،وهم مع ذلك :لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ،بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛لأن لهم من الحسنات التى تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم  ،وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون ،وأن المد من أحدهم إن تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم ،ثم إذا كان قد صدر عن أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه ،أو أتى بحسنات تمحوه ،أو غفر بفضل سابقته ،أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته ،أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ،فإذا كان هذا في الذنوب المحققة ،فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين ،إن أصابوا فلهم أجران ،وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد ،والخطأ مغفور لهم ؟
  ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ،ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله ،والجهاد في سبيله ،والهجرة ،والنصرة ،والعلم النافع ،والعمل الصالح ،ومن نظر في سيرة القوم بعلم وعدل ،وما من الله به عليهم  من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم ،وأنهم هم  الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله .  العقيدة الواسطية ص 43
         ترجمة  معاوية رضي الله عنه
قال الذهبي رحمه الله  :
أسلم معاوية قبل أبيه في عمرة القضاء ،وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه ،وأظهر إسلامه يوم الفتح .
وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة المزني وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية ((اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب ))
حسنه الترمذي في المناقب (384) وأخرجه أحمد في المسند 4/216 ،وابن عساكر في تاريخ دمشق 16/343  ب
قال الذهبي هذا الحديث رواته ثقات ،لكن اختلفوا في صحبة عبد الرحمن والأظهر أنه صحابي ،روي نحوه من وجوه أخر .
وروى علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت : قدم معاوية المدينة فأرسل إلى عائشة أرسلي إلي بأنبجانية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره فأرسلت بذلك معي أحمله فأخذ الانبجانية فلبسها ،وغسل الشعر بماء فشرب منه وأفاض على جلده .
وحديث (( إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ))
أخرجه ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 6/2416  وفيه مجالد ضعيف .
ويروي عن أبي بكر بن أبي داود قال هو معاوية بن تابوه رأس المنافقين حلف أن يتغوط فوق المنبر .
وأوصى معاوية أن يوضع في فمه وأنفه من أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره ،وقال عسى الله أن يرحمني ببركتها .
وقال عند موته : اللهم أقل العثرة واعف عن الزلة وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك فما وراءك مذهب .
انظر تاريخ الإسلام للذهبي 4/306 – 317
وقال ابن كثير : وصحب معاوية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب الوحي بين يديه مع الكتاب ،وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد .
وافتتح في سنة سبع وعشرين جزيرة قبرص ،ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في أيامه في بلاد الروم والفرنج وغيرها .
وروى أحمد مرفوعا ((اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به )) وكذا رواه الترمذي .
وأصح ما روي في فضل معاوية حديث أبي حمزة عن ابن عباس أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم منذو أسلم  خرجه مسلم في صحيحه .
روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال أوتر معاوية بعد العشاء بركعة ،وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس ،فقال دعه فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن حجر : قوله (فقال دعه ) فيه حذف يدل عليه السياق تقديره فأتى ابن عباس فحكى له ذلك فقال له دعه أي اترك القول فيه والإنكار عليه فإنه قد صحب ،أي فلم يفعل شيئا إلا بمستند ،وفي قوله في الرواية لأخرى أصاب إنه فقيه .  الفتح 6/82- 83
وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين :مرة في الصيف ومرة في الشتاء .
ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفا وخلفا ،وقد شهدت الأحاديث الصحيحة بالإسلام للفريقين من الطرفين .
وقال ابن وهب عن مالك عن الزهري قال :سمعت ابن المسيب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : اسمع يا زهري : من مات محبا لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وشهد للعشرة بالجنة ،وترحم على معاوية كان حقا على الله أن لا يناقشه الحساب .
وقال أبو توبة الربيع بن نافع الحبي : معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه .
وقال الميموني : قال لي أحمد بن حنبل : يا أبا الحسن إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام .
وقال الفضل بن زياد :سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له  رافضي ؟ فقال : إنه لم يجترئ إلا وله خبيئة سوء ، ما انتقص أحد أحدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء .
قال الأوزاعي : أدركت خلافة معاوية عدة من الصحابة منهم أسامة وسعد وجابر وابن عمر وزيد بن ثابت وسلمة بن مخلد وأبو سعيد ورافع بن خديج وأبو أمامة وأنس بن مالك ،ورجال أكثر وأطيب ممن سمينا بأضعاف مضاعفة ،كانوا مصابيح الهدى وأوعية العلم يحضروا من الكتاب تنزيله ،وممن الدين جديده ،وعرفوا من الإسلام ما لا يعرفه غيرهم ،وأخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويل القرآن ،ومن التابعين لهم بإحسان ما شاء الله منهم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ،وسعيد بن المسيب وعبد الله بن محيريز ،وفي أشباه لهم لم ينزعوا يدا من جماعة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد الرزاق عن المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية قال فلما دخلت عليه حسبت أنه قال سلمت عليه فقال : ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور قال قلت : ارفضنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له فقال : لتكلمني بذات نفسك ،قال فلم أدع شيئا أعيبه عليه إلا أخبرته به ،فقال : لا تبرأ من الذنوب فهل لك من ذنوب تخاف أن تهلكك إن لم يغفرها الله لك ؟
قال قلت نعم : إن لي ذنوبا إن (لم ) يغفرها هلكت بسببها ،قال فما الذي يجعلك أحق بأن ترجو أنت المغفرة مني ، فو الله لما إلي من إصلاح الرعايا ،وإقامة الحدود ،والإصلاح بين الناس ،والجهاد في سبيل الله ،والأمور العظام التي لا يحصيها إلا الله ولا نحصيها أكثر مما تذكر من العيوب والذنوب ،وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات ،ويعفو عن السيئات ،والله على ذلك ما كنت لأخير بين الله وغيره إلا اخترت الله على غيره مما سواه .
قال ففكرت حين قال لي ما قال فعرفت أنه قد خصمني ،قال فكان المسور إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير .
وكان معاوية يبعث رجلا يقال له أبو الجيش في كل يوم فيدور على المجالس يسأل هل ولد لأحد مولود ،أو قدم أحد من الوفود فإذا أخبر بذلك أثبت في الديوان يعني ليجري عليه الرزق .
والسنة أن يقال لمعاوية ملك ولا يقال له خليفة لحديث سفينة (( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا ))
أسمع رجل معاوية كلاما سيئا شديدا ،فقيل له لو سطوت عليه فقال :إني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي . وقال رجل لمعاوية من أسود الناس ؟ فقال أسخاهم نفسا حين يسأل ،وأحسنهم في المجالس خلقا ،وأحلمهم حين يستجهل .
وكان معاوية يتمثل بهذه الأبيات كثيرا :
فما قتل السفاهة مثل حلم   - يعود به على الجهل الحليم
فلا تسفه وإن ملئت غيظا  - على أحد فإن الفحش لوم
ولا تقطع أخا لك عن ذنب  - فإن الذنب يغفره الكريم
وقال كل الناس أستطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها .
وقال المروءة في أربع : العفاف في الإسلام ،واستصلاح المال ،وحفظ الإخوان ،وحفظ الجار .  
وقال معاوية عند موته :
فياليتني لم أعن في الملك ساعة  - ولم أسع في لذات عيش نواضر
وكنت كذي طمرين عاش ببلغة  - فلم يك حتى زار ضيق المقابر
ولما احتضر أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال ،كأنه أراد أن يطيب له لأن عمر بن الخطاب قاسم عماله .
وقال أيضا عند موته : يا ليتني كنت رجلا من قريش بذي طوى ولم أل من هذا الأمر شيئا .
قال محمد بن سيرين : جعل معاوية لما احتضر يضع خدا على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخد الآخر ويبكي ويقول : اللهم إنك قلت في كتابك ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له . انظر البداية والنهاية  8/104- 126                       
اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم ((والذين جاءو من بعدهم  يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ))
اللهم ارزقنا حبك وحبك نبيك محمد – صلى الله عليه وآله وسلم ،وحب آله وصحبه أجمعين .
وبالله التوفيق ،وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ,
كتبه الفقير إلى عفو ربه
محمد فاضل بن الطاهر

بالمدينة المنورة ، بتاريخ  23/3/ 1434 هـ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق