الجمعة، 6 يناير 2017

تنمية النية

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
تنمية النية
أما بعد فقد حض الأجلاء على تنمية النيات ليكثر الثواب ،وتتضاعف الطاعات ،لاسيما ابن الحاج في مدخله ،والشيخ زروق على الرسالة .
وخير العمل ما تقدمته النية كما في الخبر .
وهذه جملة مما ظهر لي في تنميتها في أمور لا بد للناس من ملازمتها ،فاقتصرت على ثمانية أبواب ،ذكرت فيها المهم وقد يحو التفاصيل من يستحضر الجملا ،والبصير يهتدي بالرمز والتلويح .
                 باب الصلاة
فلينو المصلي امتثال ما أتى في الذكر من الأمر بإقامتها ،وامتثال قوله جل ((حافظوا ..إلخ
وقوله ((أن اشكر لي )) وإيصاء النبي صلى الله عليه وسلم بها .
وينوي بروره صلوات الله عليه وسلامه ،وبر الوالدين ما علوا ،وسائر الأقارب ،والإخوان بجميع ما يؤدي من الطاعات والمروآت .
وينوي بطاعته ومروءته رضى ربه تعلى ؛فإنه تعلى يحب معالي الأمور ،ويكره سفسافها ،وينوي بتجنب ما أمكنه فعله من حرام  أو مكروه ترك ما نهي عنه ،ولا يزال ناويا لذلك ،وينوي بكل ذلك رغم الشيطان ففي رغمه رضى الرحمن ،صرح أهل العلم بذلك .
وينوي بالصلاة النبوية ما ذكره العلوي سيد عبد الله بن الحاج إبراهيم في نظمه:
 روض النسرين .
باب التلاوة
ينوي بقراءة القرآن ما في حفظه ،وقوله تعلى ((اعبدوا ربكم )) ((واعبدوا الله )) ((فاذكروني أذكركم )) إلى غير ذلك .
وامتثال أمره صلى الله تعلى عليه وسلم بتعاهد القرآن ،وتوقي وعيد نسيانه ،وفي بخ باب الوصاة به  أي بتلاوته ،وتعلمه، وتعليمه ،والعمل به ،وحفظه حسا ومعنى ؛فيكرم ويصان ،وقالوا في نصيحة الكتاب أي بتدبره، واتباعه ،وتحسين تلاوته ،ذكره زروق .
وينوي استفادة الأحكام والحكم ،وتدبره ،ودواء قلبه ،فقد عدوا من أدوية القلب قراءته بتدبر ،وبقراءة ما لم يحفظ التعبد أيضا ،والذكر ،وتعلمه  وامتثال خبر ((تعلموا القرآن وغنوا به واكتبوه )) وخبر ((زينوا أصواتكم بالقرآن ))أي بإدامته .انظر المدخل .
وبالجملة فلا يخفى أنه أنزل علينا لنعلمه ونتعلم منه الأحكام والعبر ،ونتعبد بقراءته .
أخرج مسلم ((أقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ))
وينوي الإحسان بوالديه ؛فإنه إن حفظه ألبسا حلل النور وتيجانه كما في حرز الأماني .
وروى البخاري ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))
وينوي بحفظ ما حفظ منه أداء الفرض ليعظم الأجر ،فحفظه فرض كفائي .
وبطلب العلم أداء عينيه حتما ،وفي كفائيه القيام به ،ونفع الناس في فرضهم ونفلهم ،ورفع نزعهم في المعاملات ،وإصلاح ذات بينهم بفتوى وقضاء .
باب الدعاء
ينوي امتثال ((واسألوا الله من فضله )) ((ادعوني أستجب لكم )) ((ادعوا ربكم )) ،ونحو ذلك ،وامتثال الأمر بذكره وعبادته ،فالدعاء ذكر وعبادة ، وقد اختلف هل الأفضل الذكر أو الدعاء نسبه الوالد للتائي ،يعني ذكرا غير دعاء ، وينوي الفرار من غضبه جل ((من لم يسأل الله يغضب عليه )) رواه في الحصن ، ((فما استكانوا لربهم وما يتضرعون )) ، وينوي الفرض إن تعوذ من مخوف ،عب عند لكتعوذ ونحوه ما حاصله :حتم تعوذ من مخوف .
ويعممه فيشمل الرحم ،والمحسن ،والمعاهد ،والجار فينويهم كلهم إذا قال مثلا ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ..))إلخ  ((اهدنا ..))إلخ  ((أسألك من كل خير ..إلخ 
أي أسالك لي ولهم . وقس ، فتحصل له صلة الأرحام  حيهم وميتهم ،والمحسن إليه .كذلك فيودي أمره عليه الصلاة والسلام إذ قال ((من أهدى إليكم معروفا ...إلخ ، ومن عاهدهم على الدعاء كذلك فيمتثل ((وأوفوا بعهد الله ))  ،ويتعرض لقوله تعلى ((والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ))
وينوي شمول غير ما ذكر ممتثلا فيه وفيما قبله خبر ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )) وخبر ((من كان في حاجة أخيه ..إلخ كما رواه البخاري، وليدع بأدعية الذكر والخبر ليعظم الخير ، وينوي بكل ذكر ودعاء أداء ما يجب من دواء القلب ،فالذكر من أدويته ،وكف الشيطان فهو من أقوى أسلحته .
باب في الكلام والاستراحة والمنام
لا يخفى أن ما كان من النطق وصلة طاعة أو غيرها يعطى حكمه فللوسيلة حكم المقصود ،وينوي بما فيه نصح لمسلم ،أو قول حسن له ،أو جوابه امتثال أمر الشرع بكل .
 (الدين النصيحة ). ((وقولوا للناس حسنا ))  (وحق المسلم إجابة دعوته )، وينوي بالراحة والنوم الانبعاث للطاعة لينال الأجر .كما أفاده الغزالي .، وأداء حق نفسه ،أخرج البخاري (إن لنفسك عليك حقا ) وشكر النعمة ((والنوم سباتا ))، وقيل فائدته اعتدال الخلق ،ونفي الوسواس ،قيل نقصه عن ثمان ساعات يضر بالبدن ،وكذا زيده عليها، ويروى أن نوم القائلة يزيد العقل ،وهو لقيام اليل كالسحور للصوم ،وأن نوم آخر اليل بعد قيام وسطه ينير القلب .
وينوي أيضا في الكلام إذا حدث بنعمة وجدها شكرها بنعمة ربك فحدث ، روى ابن جزي :التحدث بالنعم شكر .
وبعجب الاعتبار المأمور به في الذكر ،وبمناقب شيخ أو صالح أو ميت الندب ،فقد نصوا على ندب ذكر حسنهم ، وينوي بمحادثة الإخوان مؤالفتهم وموانستهم ، ويعزم على حفظ كلامه مما يحرم أو يكره ،وأن لا يحدث بكل ما سمع ،بل بما حقق أو أيقن صدقه .
باب في الضيافة
فينوي المضيف امتثال قوله صلى الله عليه وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ..إلخ ، ((اعطوا السائل )) والضيف سائل ،والآي الحاثة على الإنفاق عموما ،وابن السبيل خصوصا ،وصلة رحمه إن كان رحما ،وصون عرضه وعرض قومه فما وقى العرض صدقة ،وأن لا يجر لهم هجوا أو مذمة ، وكذا ينوي في الأصدقاء فهم في ذلك كالأقارب ،فما يسر قريبك يسر صديقك ،وأن يحسن هو ومن ينتصر له بمن ضافهم من قومك ،وتنوي أيضا بإحسانك عليه الإحسان على أهله وشبههم وسرورهم ،ومكافأته إن كان ضيفك ،أو أحسن إليك .
وبيان تنمية النية في هذا الباب تهتدي لها في سائر حقوق البشر كالنفقات ،والديون ،وصلة الرحم فينوي أداء الفرض ،ثم ينمي بما مر ،ويجتنب ما نهي عنه الخبر القدسي من الظلم بمنع نفقة ،أو مطل دين ، روى البخاري ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ))، وما نهى عنه القرآن من قطع الأرحام ، وينوي بذلك كله أن يكون أسوة ((فالدال على الخير كفاعله )) كما روى السيوطي .
وفي الصحيحين قريب منه .((ومن سن سنة ..إلخ
باب في أكل وشرب وتداو وشبه ذلك
يندب للآكل حسن نيته في أكله ،وينوي قيام بنيته ،وكف عما لا يحل شهوته ،والاستعانة على تأديته طاعة ربه ،وشكر نعمته ،فشكره كصومه في أجرته ،فهو تعلى يحب أن يرى عليك أثر نعمته ، وقد أوجبوا شبع من عجز عن الصوم إلا به ، والظاهر أن الصلاة وقيامها كذلك ،وكذا حفظ المال ،والشرب كالأكل فما يقي منهما من الموت ،أو شديد الأذى واجب ولو كنت في نهار رمضان مقيما .
وينوي بالتداوي امتثال قوله صلى الله عليه وسلم ((تداووا عباد الله ))، أو التقوي به على العبادات ،ففي الإحياء أنه يكون طاعة بتلك النية .
وفي عب أنه يجب على من خاف موتا أو شديد أذى ، وينوي باللباس ستر العورة عن أعين الناس فهو حتم إجماعا ،وتوقي أذى برد أو حر فما يقي أذاهما من اللباس واجب كما في تقريظ المسامع ،وإقامة الصلاة به  فالمعتمد وجوبه لها ،وقيل يسن ،وقيل يندب ،فينوي الفرض لأنه أكثر أجرا جدا .
باب في قضاء الحاجة
فينوي به حفظ بدنه فهو فرض وقد نصوا أن حبس الخبث مضر به ،وتجب إزالة ما اشتد من ضرر ،وتندب فيما لم يشتد ،وينوي أيضا تجنب ما نهى الخبر عنه من صلاته وهو زناء بزنة سحاب أي حاقن لبوله ،ومثله في النهي حاقن لغائط ،وقد يشغله الحقن حتى يفسد صلاته .
باب في حفظ المال وتنميته
ينوي بحفظه تجنب نهي الله تعلى عن إضاعته كما في البخاري ،وبه وتنميته ينوي كف نفسه عما يحرم دينه ،أو عرضه ،وأعراض قومه ،وأذى مسلم ،وأن ينفع به خلق الله تعلى ، وجميع ما ينوي في أكل ولباس وتداو فالمال مطية ذلك كله .
 انتهى كتاب محمد مولود بن محمد فال
رحمه الله تعلى وأسكنه فسيح جناته .

وصلى الله وسلم على نبينا  محمد وآله وصحبه أجمعين .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق